الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإن تسلم تسلم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» .
فلما قرىء الكتاب عليه مزقه، فلما بلغ رسول الله ذلك دعا عليه قائلا:
«اللهم مزّق ملكه» وقد استجاب الله لنبيه، فقتله ابنه شيرويه، ولم تقف حماقة كسرى عند تمزيق الكتاب بل أرسل إلى «باذان» عامله على اليمن: ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، ففعل باذان، فلما قدما على النبي قال:«أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» ! وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة سنة سبع من الهجرة، فخرجا من عند النبي حتى قدما على باذان فأخبراه بمقتل كسرى، وقالا له يقول لك: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء.
ثم لم ينشب باذان أن جاءه كتاب شيرويه يخبره بقتل أبيه، وأوصاه أن لا يهيج النبي حتى يأتيه أمره فيه، فقال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم الأبناء من فارس الذين كانوا باليمن.
كتاب المقوقس عظيم مصر
وأوفد عليه الصلاة والسلام حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم مصر وأميرها من قبل الروم بكتاب ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم القبط:
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «1» .
(1) انظر: صورة هذا الخطاب في كتاب «الوسيط في الأدب العربي وتاريخه» ، ص 122.
فوفد حاطب على المقوقس وكان بمدينة الإسكندرية، فناوله الكتاب، فقبّله وأكرم حاطبا وأحسن نزله.
ثم بعث إلى وفد جمع بطارقته، وقال: إني سائلك عن كلام، فأحب أن تفهم عني، قال: قلت هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت:
بلى، هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟! قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟!.
فسر منه وقال له: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم «1» ، ثم قال إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدت أنه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، وسأنظر، ثم كتب ردّ الخطاب، فقال فيه:
(لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظنه بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت إليك بغلة تركبها والسلام) .
وإحدى الجاريتين مارية التي تسرّاها رسول الله وولدت له إبراهيم، والاخرى أعطاها حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان وقيل أربع جوار، ومما أهدي غلام خصي اسمه «مابور» وحمار أسمي عفيرا أو يعفور، وقد أسمى النبي البغلة دلدلا، وكانت فريدة ببياضها بين البغال التي عرفتها بلاد العرب.
وخطاب المقوقس هذا يدل على إكباره لرسول الله كما يدل على أنه لم يسلم، ولم يبعد، والذي يبدو أن الرجل خاف على ملكه، ولولا هذا لامن ونال حظه من الإسلام.
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 273.