الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الفتح
قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً:
هو صلح الحديبية كما سبق أن دللنا عليه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ: قد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والبر والاستقامة قبل البعثة وبعدها، فالمراد بالذنوب الأمور التي خالف فيها الأولى، وذلك مثل ما حدث في أسارى بدر، وترجيحه رأي القائلين بأخذ الفداء، ومثل إذنه للمعتذرين عن تبوك، وهذه ليست ذنوبا لكنها اعتبرت كذلك بالنسبة لجلالة قدره وعظم منزلته عند ربه، فهو من قبيل ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بهذا النصر على المشركين. وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بما يشرعه لك ولأمتك من الشرائع العادلة والدين القيم.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً: فيما تستقبل من أمرك حتى يظهر دينك على الأديان كلها. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ السكينة: الطمأنينة والوقار والاية تدل على زيادة الإيمان. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً: لله جنود كثيرة لا يعلمها إلا هو، ولو أراد أن يسلّط عليهم ملكا واحدا لأبادهم، ولكنه تعالى شرع لكم الجهاد لما في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
ولما بيّن الله ما يتعلق بنبيّه ذكر ما أعدّه لعباده المؤمنين المجاهدين فقال:
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
…
الاية. ثم ذكر ما يتعلق بالمنافقين والمشركين في قوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وهو أن الله لن ينصر نبيّه والمؤمنين وسيهلكون عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ
…
: أي ما يظنونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم فهم مخذولون وهالكون في الدنيا ولهم العذاب الأليم في الاخرة، ثم أكد سبحانه قدرته على الانتقام من أعدائه فقال: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً قويا لا يغالب، منتقما بحكمة.
ثم قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك وعلى الأنبياء أنهم بلّغوا وَمُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً للكافرين لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ أي تنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظموه وتكرموه وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الضمير لله عزّ شأنه أي تنزهوه وتقدسوه في أول النهار واخره، والمراد في جميع الأوقات. ثم قال سبحانه وتعالى تشريفا لنبيّه وتكريما: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني في الحديبية وغيرها إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنك إنما تبايع بأمر الله وشرعه وطاعته يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فالله هو المبايع في الحقيقة بواسطة رسوله. ثم بيّن عاقبة النكث والوفاء فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ لأن وبال ذلك وضرره عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً: النصر في الدنيا والنعيم المقيم في الاخرة.
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ كان النبي استنفر الأعراب قبل الخروج إلى مكة معتمرا عام الحديبية فتثاقل الكثيرون منهم وتعلّلوا بتعلات باطلة كقولهم شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا: نساؤنا وأبناؤنا فَاسْتَغْفِرْ لَنا: قالوه تقية ومصانعة لا اعتقادا بدليل قوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكان قعودهم ظنا منهم أنه يدفع عنهم الضر ويحصّل لهم النفع، فردّ عليهم بقوله سبحانه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً: استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد. بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم بسرائركم.
ثم بيّن سبحانه أن تخلفهم ليس لعذر وإنما هو تخلف نفاق فقال: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً: طمعا أن يستأصلهم العدو وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زيّنه لكم الشيطان والهوى وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ: وهو أنهم لن يرجعوا وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً: نارا مسعّرة وهو تسجيل عليهم بالكفر، ثم بيّن سبحانه أنه المتصرف في الكون كله على حسب مشيئته فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً: فمن تاب منكم وندم فباب المغفرة مفتوح له.
ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء المتخلفين لا همّ لهم إلا المغنم، ولا يعنيهم نصرة الإسلام فقال: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ هي مغانم خيبر. يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ هو ما وعد الله أصحاب بيعة الرضوان أن مغانم خيبر لهم واحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين. قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ: أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية. فَسَيَقُولُونَ: بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشرككم في الغنائم، فردّ الله عليهم زعمهم فقال: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا الفقه: الفهم والعلم.
ثم بين سبحانه أن لهم فرصة لتدارك ما فاتهم والتكفير عن سيئاتهم فقال:
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هم بنو حنيفة وأضرابهم من المرتدين، وقيل: أهل فارس والروم تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي ينقادون إليكم بلا قتال ويدخلون في سلطانكم فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً النصر في الدنيا والثواب في الاخرة. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ في الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً: بالذلة في الدنيا والعذاب في الاخرة، ثم بين سبحانه أصحاب الأعذار في القعود عن الجهاد، فمنها لازم كالعمى والعرج، ومنها عارض كالمرض فقال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ الاية.
ثم بيّن سبحانه رضوانه على أهل بيعة الحديبية فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: هي شجرة سمرة كانت هناك، وقد بني عندها مسجد، وقد كان الناس يأتون الشجرة ويصلون عندها، حتى كان زمان خلافة الفاروق عمر فقطعها خشية افتتان البعض بها. فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإيمان فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً: هو صلح الحديبية. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها: هي مغانم خيبر. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً: لا يغالبه غالب. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها: هي جميع المغانم التي غنموها فيما بعد من العرب وغيرهم. فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ مغانم خيبر. وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ: لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة، وكذلك كف أيدي اليهود وغيرهم عمن خلفتموهم وراء ظهوركم بالمدينة من عيالكم ونسائكم. وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: عبرة لهم أن الله ناصرهم، وأن الخيرة فيما اختاره الله لهم، وإن كرهوه في الظاهر.
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بانقيادكم لأمره وطاعتكم لرسوله. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً: الاخرى: قيل فتح مكة، وقيل: فتوح فارس والروم.
ثم بين سبحانه أنه لم يختر لهم القتال لحكم تجلت، لا لضعفهم، ولو أنهم قاتلوكم لانتصرتم عليهم فقال: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً: من دون الله، أما أنتم فالله وليكم وناصركم. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا: أي سنة الله وعادته في الأمم أن ينتصر أهل الإيمان على أهل الكفر، والحق على الباطل، وأن العاقبة والنصر في النهاية إنما هي للمتقين المخلصين.
ثم قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً: امتنان من الله على عباده المؤمنين حيث كفّ أيدي المشركين عنهم فلم ينلهم منهم سوء، وكف أيدي المسلمين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، وصد كلّا من
الفريقين عن الاخر لحكم بالغة يعلمها، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم. وكان المشركون قد أرسلوا عيونا على المسلمين نحوا من سبعين، فأسرهم المسلمون وجاؤوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله منهم.
ثم قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: أن تعتمروا به. وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، يعني وصدّوا الهدي الذي سقتموه وبقي محبوسا بالحديبية عن أن يبلغ محل نحره وهو الحرم، ثم بين سبحانه الحكمة في أنه لم يأذن له في القتال مع قدرتهم عليه بقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ: هم المستضعفون والمستضعفات ممن أسلموا وأقاموا بمكة ولم يستطيعوا الهجرة. لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ: أي تقتلوهم بغير علم.
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ: أي ينالكم بقتلهم سبة وإثم ويقول المشركون: قتلوا إخوانهم في الدين، وجواب لولا محذوف تقديره لسلطناكم عليهم فقاتلتموهم وأبدتموهم. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ متعلق بمحذوف أي كففناكم عنهم ليكون لهم فسحة فيفيء بعضهم إلى الإسلام، وهذا ما كان، فقد أسلم منهم بين الحديبية والفتح أبطال مغاوير كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن عبد الدار. لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً: تزيلوا: تميزوا، يعني لو تميز المؤمنون عن الكافرين لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا.
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: هي الغضب والأنفة فأبوا أن تدخلوا مكة معتمرين، وأبو أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو أن يكتبوا: محمد رسول الله. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: فلم تأخذهم الحمية فيعصوا الله في قتالهم، ولكنهم كظموا غيظهم، وأذعنوا لنبيهم. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: هي كلمة الإيمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعملوا بموجبها ووقفوا عند ما أمر الله ورسوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: أحق بكلمة التقوى وأهلا للعمل بها واحترامها. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. فقد وسع علمه كل شيء، أما علمكم فقاصر، ومن كان هذا
شأنه فليتهم عقله، وليلتزم ما أمر به الله ونبيه، ولينته عما نهيا عنه، وكن على ذكر لكلمة الصحابي الجليل سهل بن حنيف الانفة «1» .
ثم بيّن سبحانه أن رؤيا رسول الله صادقة ولابد أن تتحقق فقال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ: تعليم للخلق أن يلتزموها في كل شيء وإن كان المتكلم بالقران سبحانه عالما بكل شيء، وصدق الله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ: ذلك أن رسول الله كان قد رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، فلما ساروا إلى الحديبية لم يشكّوا أنّ هذه الرؤيا سيكون تأويلها هذا العام، فلما حدث ما حدث من قضية الصلح ورجوعهم وقع في نفس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر رسول الله عن ذلك فأخبره أنه لم يقل هذا العام، وأنه سيأتيه ويطوّف به، وهذا ما كان فقد وقع تأويل الرؤيا في العام القادم. فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا: وهو أن الصلاح والخير كان في الصلح وتأخير الدخول للحكم التي ذكرها الله انفا. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً:
وهو صلح الحديبية، وقيل: فتح خيبر.
ثم بيّن سبحانه أن الله ناصر نبيه وناصر دينه، وسيعلو على الأديان كلها فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً: أنك المبعوث رحمة للعالمين، ثم ختم سبحانه السورة ببيان صفة النبي وصحابته، وأنهم لجلالتهم ضرب الله لهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأشاد بذكرهم في القران فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ: لا تأخذهم في المشركين شفقة ولكنهم متوادون متراحمون بينهم، فهو كقوله سبحانه: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً كناية عن كثرة صلاتهم ومواظبتهم عليها. يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ
(1) انظر صفحة 341.