الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السّنة الحادية عشرة
استهلت هذه السنة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد أن عاد من حجة الوداع موفور الكرامة، مطمئن القلب، منشرح الصدر، أن بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأكمل الله الدين، وأتمّ النعمة، وظهر الإسلام على الأديان كلها.
وما كان النبي لينسى ما صنع الروم بالمسلمين في مؤتة، وقتل الأبطال:
زيد وجعفر وابن رواحة وغيرهم، وما هموا به من غزو المدينة حتى كانت غزوة تبوك، وإيثار الروم الانسحاب على القتال، فعزم على إرسال جيش للاقتصاص منهم، فكان
بعث أسامة بن زيد
.
بعث أسامة بن زيد
في اخر صفر من هذا العام ندب النبي الناس لغزو الروم، فانتدب لذلك ثلاثة الاف من خيار المسلمين فيهم كبار المهاجرين والأنصار، منهم:
أبو بكر، وعمر «1» ، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وسلمة بن أسلم.
ودعا النبي أسامة بن زيد وقال له: «سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، وأغر صباحا عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن ظفّرك الله بهم فأقلّ اللبث فيهم» . وكان أسامة شابا لم يبلغ العشرين من عمره، مما دعا بعض الصحابة إلى التكلم في إمارته، فلما نميت المقالة إلى رسول الله قال: «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وايم
(1) الصحيح أن أبا بكر وعمر لم يكونا في بعث أسامة، بدليل أنهما كانا في المدينة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين كان جيش أسامة خارجها. (الناشر) .
الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنّ هذا لمن أحب الناس إلي بعده» «1» .
وعقد له اللواء بيده، وخرج أسامة وعسكر «بالجرف» خارج المدينة استعدادا للمسير، وإنهم لعلى ذلك بلغهم اشتداد المرض بالرسول، فلم يكن بدّ من التريث والانتظار، فقد كان بالجيش كبار المهاجرين والأنصار ممن تحتم الأحوال أن يكونوا بالمدينة في هذا الظرف العصيب.
وقد كان تأمير أسامة لحكمة بالغة من الرسول؛ إذ فيه حث له على التضحية في سبيل الله، والحرص على الاقتصاص من قاتلي أبيه، كما كان فيه قضاء على العنجهية العربية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، وتقرير عملي لمبدأ المساواة في الإسلام، وأيضا فقد كان من التوجيهات النبوية الحكيمة إلى تهيئة الفرص للشباب الصالح، وإثارة عزائمهم، وهممهم إلى معالي الأمور، وتعويدهم الاضطلاع بالتبعات الجسام، والمهام العظام.
(1) رواه البخاري.