الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسوّر نفسه بين يدي الرسول ويقول: إني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت.
ومنهم أبو دجانة، فقد ترّس بنفسه على رسول الله، فحنى ظهره عليه، والنبل يقع فيه حتى كثرت به الجراح.
ومنهم زياد بن السكن، ويقال: عمارة بن يزيد بن السكن، كان أحد النفر من الأنصار الذين قتلوا بين يدي رسول الله دفاعا عنه حينما غشيه القوم وتكاثروا عليه لقتله «1» .
ومنهم فتى الفتيان علي بن أبي طالب، فقد كان ممن ثبت مع الرسول، ونافح عنه، وممن قاتل في هذا اليوم قتال الأبطال.
بطولة امرأة
وإنها لبطولة تستحق التسجيل، وبطلتها هي السيدة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية. روى ابن إسحاق وغيره أنها دخلت عليها أم سعد بن الربيع فقالت لها: يا خالة أخبريني خبرك؟ قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح «2» للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إليّ.
قالت الراوية: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف، له غور، فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة- أقمأه الله- لمّا ولّى الناس عن الرسول أقبل يقول: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبتوا مع الرسول، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان. وقد غشي عليها من جراحها، فلما أفاقت قالت: أين رسول الله وما صنع المشركون معه؟ فقالوا لها: بخير.
(1) سيرة ابن هشام، ج 3 ص 81.
(2)
الريح: الغلبة والنصر.
وروى الواقدي بسنده عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما التفتّ يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» .
وإن الإنسان ليدهش من هذه الشجاعة التي لا نكاد نجد لها مثالا في تاريخ الدنيا، إن لهذه السيدة البطلة لتاريخا حافلا في باب الجهاد في الإسلام، فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمتها: أنها شهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم وابنيها: حبيب وعبد الله، وشهدت كذلك بيعة الرضوان، وقد أبلت بلاء حسنا في حروب الردة.
وكان مسيلمة الكذاب قد ظفر بابنها حبيب وهو مقبل من عمان إلى المدينة وأخذه أسيرا «1» ، فقال له: أتشهد أني رسول الله: فيقول: لا أسمع، فيقول:
أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم، فيقطع منه عضوا، وما زال يسأله ويجيب بما أجاب به حتى قطّعه إربا إربا، ومات شهيد عقيدته مرضيا عليه من ربه، وأبت عليه بطولته أن يداهن في موطن تجيز له التقيّة أن يوافق ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، ولكن المؤمنين الأبطال يأبى عليهم إيمانهم الفذ إلا العزائم!!.
ولما بلغها ما صنع الكذاب بحبيب عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة، فلما كان يوم اليمامة ذهبت إلى الصدّيق تستأذنه في الخروج، فقال لها: ما مثلك يحال بينه وبين الخروج، فقد عرفناك، وعرفنا جرأتك في الحرب، فاخرجي على اسم الله.
فخرجت هي وابنها عبد الله، وأصيبت يومها باثني عشر جرحا، وفقدت يدا في هذا اليوم وكانت حريصة على قتل مسيلمة، ولم يهدأ بالها حتى قابلها ابنها البطل عبد الله بن زيد الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وسيفه يقطر دما من دمه، فقالت له: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت شكرا لله، وعادت وقد فقدت في
(1) وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة، ففعل به ما ذكرنا.