الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي الأب
وكما كان رسول الله الزوج المثالي المتسامح المتغاضي عن الهفوات، كان الأب الحاني العطوف الشفيق، وقد قدّمنا طرفا من حبه لبناته، وأبنائه، وحزنه لفقدهن، وبكائه عليهن بكاء الرحمة والشفقة، وتعهده لابنه إبراهيم، وذهابه إليه خارج المدينة كل يوم فيحمله ويشمه ويقبله. وكذلك كان يقبّل ولدي ابنته فاطمة ويشمهما ويقول:«هما ريحانتاي من الدنيا» «1» .
ولما راه الأقرع بن حابس وهو يقبل الحسن قال: إن لي عشرة أبناء ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لا يرحم لا يرحم» وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم أحد الأعراب فوجد النبي والصحابة يقبلون الأولاد فقال: أتقبلون أولادكم؟ فقالوا: نعم، فقال: والله ما نقبلهم، فقال الرؤوف الرحيم:
«أو أملك لك أن الله نزع الرحمة من قلبك» !!.
(وقد كان يصلي بأمامة بنت بنته زينب- رضي الله عنهما يحملها على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها)«2» . فأي مثل أروع من هذا في بيئة كانت تحب الذكور، وتبغض الإناث بل وتئدهن؟!.
وكان النبي يخطب ذات يوم على المنبر فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويتعثران، فنزل النبي فحملهما ووضعهما بين يديه.
(1) كالشيء الطيب الريح الذي يشم، ويحب، ويقبل. والأولاد يشمون ويحبون ويقبلون، وهو من الكلام الموجز البديع الذي لم يسبق إليه صلى الله عليه وسلم فيما أعلم.
(2)
صحيح البخاري- كتاب الأدب- باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته.
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه رأى الحسن بن علي يجيء والنبي ساجد فيركب رقبته، أو قال ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر. وروي أن رسول الله كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم:«أن دعوهما» «1» كما كان يلاعبهما إذا فرغ لهما. فهل رأيت في باب العطف والشفقة على الأبناء، وإشباع رغباتهم في اللهو واللعب أفضل وأسمح من هذا؟!.
وكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة يقوم لها ويقبلها ويقول لها: «مرحبا بابنتي» «2» ويجلسها على يمينه. وربما بسط لها ثوبه. فأي إكرام واحترام للأولاد يداني هذا؟! وكان يقول: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني» «3» فأي تأكيد لأواصر الحب والقربى فوق هذا؟!.
(1) الإصابة، ج 1 ص 329.
(2)
رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة.
(3)
رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة.