الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخروج إلى خيبر
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع عام سبع في جيش تعداده ألف وستمائة، ومعهم مائتا فرس وقيل ثلاثمائة، وكلّ واثق بنصر الله، وذاكر قول الله سبحانه في سورة الفتح التي نزلت منصرفه من الحديبية:
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا «1» .
وكان من شأن رسول الله أنه إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا كف وإن لم يسمع أذانا أغار، فوصل إلى خيبر ليلا، فبات حتى أصبح لم يسمع أذانا، فركب وركب معه أصحابه، فاستقبلهم يهود خيبر بمساحيهم ومكاتلهم «2» ، فلما رأوا رسول الله والجيش قالوا: محمد والجيش معه، فقال رسول الله:«الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» .
ضخامة القوتين
وقد كان يهود خيبر من أشدّ الطوائف اليهودية بأسا وأكثرها مالا، وأوفرها سلاحا، وكذلك كان المسلمون كثيرا عددهم، وافرا سلاحهم، ممتلئة قلوبهم بالإيمان، واثقة نفوسهم بنصر الله، مصمّمين على استئصال هذا الشر مهما كانت التضحية، فلا عجب إذا كانت قريش والجزيرة كلها وقفت تنتظر ما يسفر عنه التقاء هاتين القوتين، حتى حدث من البعض التراهن على أي الفريقين سيكون له الغلب؟.
ووقف المسلمون أمام حصون خيبر متأهبين للقتال، وهم كاملو العدة،
(1) سورة الفتح: الاية 15.
(2)
مساحيهم: جمع مسحاة وهي المجرفة وهي من حديد، المكاتل جمع مكتل- بكسر الميم- وهو الزنجيل وهو شيء يصنع من الخوص يحمل فيه التمر والتراب وغيرهما.
وكانت حصونهم ثلاثة مجاميع، وكل مجموعة ثلاثة حصون تمتد من الجنوب إلى الشمال، يتخلّلها النخيل والزروع والمنازل المتفرقة. وهذه المجاميع هي:
النطاة، والشق، والكتيبة، أما النطاة فكانت ثلاثة حصون: ناعم، والصعب، وقلة، وكانت الشق حصنين: أبي، والبريء، وأما الكتيبة فكانت ثلاثة حصون: القموص، الوطيح، والسلالم.
وتشاور اليهود فيما بينهم فأشار عليهم زعيمهم سلام بن مشكم فأدخلوا أموالهم وعيالهم حصني الوطيح والسلالم، وأدخلوا ذخائرهم حصن ناعم، ودخلت المقاتلة وأهل الحرب حول حصن النطاة.
والتقى الجمعان حول حصن نطاة واقتتلوا قتالا شديدا، وضيّق المسلمون الحصار على حصون خيبر، واليهود يستميتون في الدفاع عنها لأنهم يعلمون أن هزيمتهم ما هي إلا القضاء الأخير عليهم في جزيرة العرب، وتتابعت الأيام والقتال يشتد، فالمسلمون يبدون من ضروب الشجاعة والاستبسال والتضحية ما هم أهل له، واليهود يستميتون في الدفاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» .
فبات الناس ليلتهم يتمنى كل منهم أن يعطاها، حتى إن عمر قال:
ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فلما أصبح الصباح قال:«أين علي بن أبي طالب» ؟
فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فدعاه فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله، فأعطاه الراية وقال له:«انفذ إليهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» «1» .
ولما ذهب إليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه، ويرتجز ويدعو إلى المبارزة قائلا:
(1) رواه البخاري ومسلم.