الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم الخميس
وفي يوم الخميس الذي قبيل وفاة الرسول خشي أن يموت قبل أن يعهد للناس في شأن الخلافة، فقال- وحوله رجال من أهل بيته وأصحابه-:«ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال بعضهم- إشفاقا-: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القران حسبنا كتاب الله. واختلفوا:
فمن قائل بإحضار الكتاب، ومن مانع، فلما كثر الاختلاف قال:«دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» وأوصاهم بثلاث: قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» وأما الثالثة فقيل الوصية بالقران وقيل: تجهيز جيش أسامة «1» .
وفي الصحيح أيضا أن رسول الله قال: «لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون» وفي رواية الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» .
تنبيه
في بعض روايات الصحيح «أهجر؟» استفهموه. والهمزة للإنكار والنفي، والهجر ما يقع من المريض من غير وعي، والمراد إنكار ونفي أن يحصل منه ذلك، أو أن يظن به ذلك، فحاشاه أن يكون منه ذلك، وفي بعضها «هجر» بغير الهمزة، وهي محمولة على الإنكار والنفي أيضا، والعرب في أساليبها قد تحذف حرف الاستفهام ويكون المعنى عليه «2» .
خروج النبي إلى المسجد
وفي هذا اليوم عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى الناس كي يوصيهم ويخطبهم، فقال:«أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلّ أوكيتهنّ «3» ، لعلي أعهد
(1) رواه البخاري.
(2)
فتح الباري، ج 8 ص 158.
(3)
الوكاء: ما يربط به فم القربة.
للناس» قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب «1» لحفصة، ثم طفقنا نصب عليه الماء حتى طفق يشير إلينا بيده «أن فعلتن» .
فوجد من نفسه خفة، فخرج على الناس، وهم يصلون الظهر وهو يهادى بين رجلين، فلما راه أبو بكر أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن مكانك، ثم جلس إلى جنب الصدّيق، فجعل أبو بكر يصلّي بالناس قائما، والرسول يصلّي وهو قاعد، فمن قائل أن رسول الله صلّى مأموما وراء أبي بكر، ومن قائل: إن رسول الله تولّى الإمامة، وصلّى أبو بكر بصلاة النبي، وصلى الناس بصلاة أبي بكر، ولعل الأول أرجح لأنه أدلّ على منزلة الصديق وأحقيته للخلافة «2» .
وكانت هذه اخر صلاة صلاها رسول الله مع المسلمين، ثم صعد المنبر، فكان أول ما ذكر- بعد حمد الله والثناء عليه- أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا ثم قال:«يا معشر المهاجرين، إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي «3» التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ثم قال:«أيها الناس: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله» ففهمها أبو بكر من دون الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا، فعجب الناس لبكائه، فكان المخيّر هو رسول الله، وكان أبو بكر أعلمهم بذلك فقال له رسول الله:«على رسلك يا أبا بكر» «4» ثم قال: «إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن خلة الإسلام ومودته «5» . لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر» .
ثم قال: «وإن قوما ممن قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،
(1) مخضب: طست.
(2)
البداية والنهاية، ج 5 ص 234.
(3)
عيبتي: خاصتي وموضع سري.
(4)
تمهل في البكاء حتى لا يسترسل الناس في البكاء.
(5)
صداقة الإسلام ومحبته.