الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت.
وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ إلى قوله:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» .
وقفات عند هذه القصة
وإن لنا في هذه القصة لعبرا وعظات وايات بينات، تدل على فضل الصحابة وما وصلوا إليه من سمو في الدين والأخلاق وتقدير للمعاني الروحية والقيم الأدبية، منها:
1-
صدق الإيمان، وقوة اليقين، وحضور القلب، وكيف يسمو الإيمان بصاحبه حتى يرى السعادة الحقة الكاملة في رضوان الله ورسوله، والشقاوة كل الشقاوة في غضبهما وإنا لنلمس هذا في قول كعب:(حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف) . وفي بعض الروايات: (تنكرت لنا الحيطان، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم الذي نعرف) . وهذا المعنى يجده الحزين والمهموم في كل شيء، حتى قد يجده في نفسه فينكرها، بل نلمس هذا المعنى بصورة أكبر في قول الله عنهم: وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ.
والإنسان قد تضيق به الأرض من سوء من يجاوره أو لعدم وجود من يشاكله، ومع هذا فيكون في اطمئنان من قلبه، ورضى من نفسه، ورحابة من صدره، ولكن أضيق الضيق أن تضيق بالإنسان نفسه، وحينئذ تصير الحياة مهما أحيطت بمظاهر النعيم جحيما لا تطاق، ويكون الموت خيرا من الحياة، وهذا يدل على مبلغ ما كان يتمتاع به هؤلاء الثلاثة من قلوب متيقظة ونفوس شفافة وضمائر حية.
2-
إن المقاطعة والهجر كان نوعا من أنواع التأديب والزجر في صدر الإسلام، وقد أثمر هذا اللون من التأديب ثمرته ووصل بهم إلى هذه الخاتمة السعيدة الموفقة، وإن أضر شيء على أي مجتمع أن يجد فيه أهل الفسق
(1) سورة التوبة: الايات 117- 119.
والفجور، وأهل الظلم والابتداع، وأهل الاستهتار بالقيم الدينية والخلقية صدورا رحبة، ونفوسا ترضى عن فعلهم، بل وتحتضنهم، ولو أن العصاة والمذنبين والمنحرفين عن الصراط المستقيم وجدوا من المجتمعات التي يعيشون فيها نبذا لهم ومقاطعة وازدراء، لكان هذا من أقوى العوامل الدافعة إلى أن يرشد الغاوي، ويستقيم المعوج، ويصلح الطالح.
3-
إن المتأمل في القصة يعجب كيف أن الصحابة نفّذوا ما أمر به الرسول من المقاطعة حتى ولو كانوا في غيبة عن أعين الرقباء. فهذا كعب ينشد ابن عمه كلمة عسى أن يجد فيها ما يخفف ما به من حزن وأسى، ولكنه يأبى عليه هذه الكلمة، ويكل علم ذلك إلى الله ورسوله، وهذه غاية ما يطمع فيه مجتمع من أمانة ومراقبة لله.
4-
في أثناء المحنة تعرض كعب لمحنة أخرى كانت أقسى وأشد من الأولى، فهذا هو ملك غسان يكتب له كتابا وهو في أشد أوقات المقاطعة وضيق النفس، يفسح له من صدره، ويفتح له باب الأماني الحلوة، والجاه العريض، ويستغل ما كانت عليه حالته النفسية، فيقول له: قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك!!.
لو ان كعبا- رضي الله عنه كان رقيق الإيمان، ضعيف النفس والخلق لوجد في هذه الفرصة السانحة المغرية ما يرغم به أنوف مقاطعيه ونابذيه، ولكن أدرك بادىء ذي بدء أنها محنة أخرى أقسى من الأولى، فلا يرضيه أن يجيب الرجل بالسلب، أو يرمي بالكتاب ويمزقه، ولكنه رمى به في التنور ليصير رمادا، ويصير كل ما به دخانا يتبدد في الهواء، وخرج الرجل من محنته وهو أقوى ما يكون إيمانا، وأصفى ما يكون روحا، وأكرم ما يكون أخلاقا، فيا لعظمة هذه النفوس المؤمنة الكبيرة!!.
5-
هذه القصة توحي بما كان يتمتاع به المجتمع الإسلامي انئذ من تقدير للقيم الدينية والخلقية، فغاية ما يطمع فيه الفرد أن يكون على كمال في دينه، ومن أجلّ النعم عندهم نعمة التوبة، إنها للجديرة بأن يهنأ بها المسلم، وإنا