الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف النّبيّ عليه السلام من اليهود وموقفهم منه
ذكرنا فيما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابا شرط لهم فيه وشرط عليهم، وأقرهم على دينهم بشرط أن لا يغدروا، ولا يمالئوا عليه عدوا، ولكن اليهود قوم في طبيعتهم الغدر والدس والخيانة، فقابلوا هذا الإحسان بالإساءة، وحاربوا الدعوة الإسلامية بأساليبهم الماكرة حربا لا هوادة فيها، فقد هموا بقتل النبي وهو بدارهم لولا أن عصمه الله منهم، وطالما سعوا في إفساد ما بين المسلمين ولا سيما الأوس والخزرج من أخوة ومحبة كانت بفضل اعتناقهم الإسلام، وكثيرا ما نقضوا العهود وحاولوا طعن المسلمين من ظهورهم، وكثيرا ما ألّبوا عليه المشركين والقبائل كما حدث في غزوة الأحزاب.
وهكذا كانت حياتهم في المدينة وما جاورها سلسلة من المخازي، والمؤامرات الدنيئة، فلم يكن بدّ من أن يقف النبي منهم موقفا حازما، فأجلاهم عن المدينة واستراح من شرورهم، وقتل من يستحق منهم القتل، ولم تأت السنة السابعة حتى تقوّض سلطانهم في شبه الجزيرة، ولم يعد لهم شأن يذكر، وأذعنوا لسلطان الإسلام وسطوته. وهذا إيجاز يحتاج إلى تفصيل، وإليك البيان.
محاولتهم الوقيعة بين الأوس والخزرج
مرّ شاس بن قيس- وكان شيخا كبيرا عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين- على نفر من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من
العداوات والإحن فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة- الأوس والخزرج- بهذه البلاد، لا والله ما لنا إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه فذكّرهم بيوم بعاث «1» وما كان فيه، وما تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم وتفاخروا، وتواثبوا حتى قال أحدهم للاخر: إن شئتم رددتها- أي الحرب- الان جذعة، وغضب الفريقان، وتنادوا: السلاح السلاح موعدكم الحرة.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليهم في جماعة من المهاجرين حتى جاءهم فقال:«يا معشر المسلمين، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! الله الله» .
فأفاق القوم من غضبهم، وعلموا أنها نزغة شيطانية وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين، وفي هذا نزل قول الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. إلى قوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «2» .
ولولا حكمة النبي لكان من وراء هذه الفتنة شر كثير.
(1) بضم الباء، وفتح العين: هو اخر يوم جرت فيه حرب بين الأوس والخزرج، وكان الغلب للأوس، ثم جاءهم الله بالإسلام، فألف بين قلوبهم.
(2)
سورة ال عمران: الايات 100- 103.