الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تشريعات وأحداث في هذا العام
في هذا العام حرّمت المتعة تحريما باتا إلى يوم القيامة.
وفي ذي القعدة منها تزوج رسول الله فاطمة بنت الضحاك الكلابية، فاستعاذت بالله منه فقال لها:«لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» ، وقد أدركها الندم فيما بعد وكانت تقول: أنا الشقية. وقيل إن رسول الله دخل بها، فلما خيّر نساءه اختارت قومها ففارقها، ورد هذا ابن عبد البر، واحتج لذلك بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة أن النبي لما خيّرهن بدأ بها فاختارته، وتتابع أزواج رسول الله كلهن على ذلك.
إسلام أبي العاص بن الربيع
قدمنا أن أبا العاص بن الربيع صهر رسول الله كان أسر في بدر، فأرسلت السيدة زينب زوجه في فدائه قلادة قلدتها إياها أمها السيدة خديجة، فلما راها رسول الله رقّ لها رقة شديدة وقال:«إن شئتم أن تردوا عليها قلادتها وتطلقوا لها أسيرها فافعلوا» ، ففعلوا، وأخذ عليه الرسول عهدا أن يرسل إليه ابنته، فوفّى بالعهد، وكان ما كان من ترويع هبّار بن الأسود لها وكانت حاملا فأجهضت.
واستمرت السيدة زينب عند النبي، وبقي زوجها على كفره بمكة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية، فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا، وجاء تحت جنح الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبّر وكبّر الناس؛ صرخت من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
فلما سلم رسول الله أقبل على الناس فقال: «أما والذي نفس محمد بيده
ما علمت من شيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم» ، ثم انصرف إلى ابنته زينب فقال:«أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصنّ إليك، فإنك لا تحلّين له» ، ثم حثّ رسول الله أصحابه على ردّ ما كان معه، فردّوه بأسره، فأخذه أبو العاص وذهب به إلى مكة فأعطى كل ذي حق حقه، ثم قال لهم: هل بقي لأحد منكم عندي مال يأخذه، قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما قال: فإني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن اكل أموالكم، فقد أداها الله إليكم. ثم خرج حتى قدم المدينة.
وقد اختلفت الرواية في رد رسول الله إليه زوجته زينب أكان بالنكاح الأول، أم بنكاح ومهر جديدين؟ فالذي رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أنه ردّها بالنكاح الأول، وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه أن رسول الله ردّ بنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد، ولكن قال فيه الإمام أحمد: إنه حديث ضعيف، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول، والأول وإن كان صحيحا إلا أن العمل عند الفقهاء على الثاني، فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها، والسيدة زينب انقضت عدتها ولا محالة فقد نزل تحريم المسلمات على المشركين عام ست، وأبو العاص أسلم سنة ثمان.
ويعجبني في هذا الموضوع قول بعض العلماء: إن في قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك، بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره، وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان، وهي امرأته ما لم تتزوج، وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم «1» .
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 332، 333.