الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأينا في هذه السرايا
والذي نراه في هذه السرايا التي وقعت في السنة الأولى أنها كانت لمعاقبة المشركين، والحصول على ما يمكن الحصول عليه من تجاراتهم، نظير ما أخذوا من أموالهم وما ظلموهم، ولإضعاف شوكتهم، فإن المال عصب الحياة.
وأيضا فقد قصد بها إفهام قريش أن مصلحتهم تقتضيهم التفاهم مع المسلمين من أهليهم- الذين اضطروا إلى الفرار من مكة بسبب ما عانوا من الاضطهاد والإيذاء- تفاهما يقي الطرفين شرور العداوة والبغضاء، ويكفل للمسلمين حرية الدعوة إلى دينهم، وحرية الإعلان عن عقيدتهم، وحرية الدخول إلى الحرم لتأدية شعائرهم، كما يكفل لأهل مكة سلامة تجارتهم في طريقها إلى الشام، ولم يكن مثل هذا التفاهم ممكنا ما لم تقدّر قريش قوة المهاجرين من أبنائها على الإيقاع بها، وإيصاد طرق التجارة في وجهها.
ولا أرى أنها كانت للحرب، فقد كان القتال لم يشرع بعد، وذلك على حسب ما ترجّح في نظري من أن مشروعية القتال كانت في أوائل السنة الثانية على ما سأذكر، لأن الأعداد التي كان فيها المسلمون في سراياهم تلك لم تكن متكافئة مع أعداد المشركين، ولم تنقل الروايات أن النبي كان يوجههم للقتال، وإنما للقاء العير واعتراضها، وإن كان الاعتراض لا يسلم من المناوشة.
وقد رأى هذا الرأي من قبل الدكتور محمد حسين هيكل رحمه الله تعالى «1» ، وإن كنت أخالفه في اعتبار الغزوات التي كانت في السنة الثانية قبيل بدر من هذا القبيل، فاحتمال القتال فيها أمر راجح، ولا سيما وقد أصبح الجهاد مشروعا للمسلمين.
مزاعم المستشرقين في هذه السرايا
زعم بعض المستشرقين أن هذه السرايا الأولى إنما كان يقصد بها إلى نهب تجارة القوافل، فإن النهب كان بعض طباع أهل البادية، وأن أهل المدينة
(1) حياة محمد، ص 239- 240.
إنما أغرتهم الغنيمة والسلب باتباع محمد على خلاف عهداهم في العقبة، وهذا زعم ليس له ما يؤيده، ويرد عليه الواقع، وسأدع الدكتور محمد حسين هيكل يرد عليهم قال رحمه الله:
(وهذا كلام مردود، لأن أهل المدينة كأهل مكة لم يكونوا أهل بادية يعيشون على السلب والنهب، وأنهم فوق ذلك، كان في طبعهم ما في طبع من يعيشون على الزراعة من حب الاستقرار، ممّا يجعلهم لا يتحركون إلى قتال إلا لدافع قوي.
أما المهاجرون فكان من حقهم أن يستخلصوا من أيدي قريش ما أخذ من أموالهم، لكنهم لم يستعجلوا ذلك قبل بدر، فلم يكن هو الدافع للسرايا في الغزوات الأولى، ثم إن القتال لم يشرع في الإسلام ولم يقم (سيدنا) محمد وأصحابه لهذه الغاية البدوية التي يتوهّم المستشرقون، وإنما شرع وقام به (سيدنا) محمد وأصحابه حتى لا يفتنهم عن دينهم أحد، وحتى يكون لهم من حرية الدعوة له ما يشاؤون....) «1» .
(1) حياة محمد، ص 142.