الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجدل بين اليهود والمسلمين
من مخازي بني إسرائيل وأكاذيبهم
وثارت بين المسلمين واليهود حرب كلامية، تدرّع فيها اليهود بالأباطيل والاختلاق على الله وعلى الرسل، ونسبوا إليهم ما لا يليق بهم، روى ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه بيت المدراس «1» فوجد من اليهود ناسا كثيرين قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له:
فنحاص «2» بن عازوراء من علمائهم وأحبارهم، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء!! لو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم «3» ، ينهاكم عن الربا ويعطيناه؛ ولو كان غنيا ما أعطانا الربا!!
فغضب الصديق وضرب وجهه ضربة شديدة- على ما كان يتصف به الصديق من الحلم والرزانة والوقار- وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص شاكيا إلى رسول الله، فقال الرسول لأبي بكر:«ما حملك على ما صنعت» ؟ فأخبره بمقالة فنحاص وتجرئه على الله، فجحد فنحاص، فأنزل الله سبحانه وتعالى:
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ
…
الايتين «4» .
(1) المدراس: الكنيسة التي يتدارسون فيها كتبهم.
(2)
فنحاص: بكسر الفاء وسكون النون.
(3)
يريد قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.
(4)
سورة ال عمران: الايتان 181، 182.
وزعموا أيضا أن الله أخذ عليهم العهد ألايؤمنوا برسول حتى يقدّم قربانا، فتأتي نار من السماء فتأكله، وأنهم لن يؤمنوا برسول الله حتى يكون كذلك؛ وقد أكذبهم الله ورد عليهم ردا مفحما فقال:
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» .
وقد يستبد ببعضهم الغضب والحمق فينكر بعض الحقائق الثابتة التي يقر بها، جاء مالك بن الصيف ليخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي:«أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين» وكان حبرا سمينا- فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فلما لامه أصحابه على مقالته قال: أغضبني محمد فقلت ذلك، وقد ذكر الله مقالتهم والرد عليها في قوله:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
«2» .
إلى غير ذلك مما أثاروه من جدل حول تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأي المسجدين أفضل: الكعبة، أم بيت المقدس «3» ؟، وأي النبيين هو الذبيح إسماعيل أم إسحاق «4» ؟، وحكم الزاني المحصن في التوراة أهو الرجم أم الجلد؟ وتحريفهم للتوراة، ولا سيما فيما يتعلق بالبشارة بالنبي،
(1) سورة ال عمران: الاية 183.
(2)
سورة الأنعام: الاية 91.
(3)
قد أوضحت أفضلية الكعبة في الجزء الأول.
(4)
قد حققت ذلك في الجزء الأول.