الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما نزل في غزوة بني النضير
(سورة الحشر) : بسم الله الرحمن الرحيم سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: أي نزّهه وقدّسه. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: القوي الذي لا يتصرف إلا عن حكمة. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: هم يهود بني النضير، والحشر: الجلاء. والحشر الأول من المدينة إلى خيبر، والثاني من خيبر والجزيرة إلى الشام. ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا: لشدة بأسهم، وحصانة حصونهم، وكثرة عددهم وعددهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ: بأسه وعذابه. فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: يظنوا، فسلط عليهم المؤمنين ذوي البأس الشديد، فلم تغن عنهم حصونهم شيئا. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ: الذي نصر به النبي من مسيرة شهر يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ: فكان اليهود يخربون ليحملوا معهم ما أمكن والمسلمون يخربون نكاية فيهم. فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ: العقول والبصائر، واحذروا أن تقعوا فيما وقعوا فيه من الاغترار بالقوة والمال وترك جانب الله ومحاربة الله ورسوله.
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ: الخروج من المدينة. لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالأسر والقتل. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ: ولكنهم باستسلامهم وقوا أنفسهم من القتل والأسر، ولكن بقي لهم عذاب الاخرة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بسبب مخالفة الله ورسوله. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: وعيد لكل من يخالف أمر الله ويحارب رسوله.
ثم بين سبحانه أن قطع النخل ليس إفسادا كما زعموا لأنه بأمر الله وشرعه فقال: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها: اللينة:
النخلة أو نوع منها. فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ: يعني اليهود، ثم بين سبحانه معنى الفيء ووصفه فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: أوجف:
أسرع وتكلف. ركاب: إبل. يعني أن الفيء ما أخذ بدون حرب ولا قتال
ولا تعب، وهو ما أخذ صلحا و (ما) في (فما أوجفتم) نافية. أما الغنيمة: فهي ما أخذت بحرب وقتال. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: ومنه تمكينهم من مال بني النضير.
ذكر الله مصارف الفيء وبين أنه لرسول الله يضعه حيث شاء في ذوي القربى والمساكين، وليس للمجاهدين فيه نصيب، فقال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ: أي مما جعل الله مصرفه لهؤلاء، حتى لا يكون المال متداولا بين الأغنياء دون الفقراء، فالاية تبين أن البر ومواساة الفقراء تلحقهم بالأغنياء وتزيل من فقرهم وحاجتهم. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا: أصل عام في طاعة رسول الله في كل ما يأمر به من قران أو سنة والانتهاء عما ينهى عنه.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: أن تخالفوا أوامر رسوله ونواهيه لأنها من أمر الله ونهيه. إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: لكل من خالف رسوله.
ثم بين سبحانه من هم أحق بهذا الفيء فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: الجنة ونعيمها، ورضوان من الله أكبر. وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بالتضحية بالنفس والجهاد في سبيل الله. أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ: المخلصون في إيمانهم، وقد خصهم الرسول بالفيء في هذه الغزوة إغناء لهم وتعويضا عما تركوه راضين من دور وعقار ومال.
ثم أثنى على الأنصار بما هم أحق به وأهل له فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: المدينة. وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أي أخلصوا الإيمان وصدقوا الله فيه.
من قبلهم: راجع لتبوّء الدار، فقد كانت موطنهم قبل هجرة المهاجرين إليها. يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا: أي مما أعطي المهاجرون من هذا الفيء وغيره. وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ: شدة فقر وحاجة. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
الفائزون، ولعلك على ذكر مما ذكرناه في ماثر الأنصار رضوان الله عليهم.
ثم بين الله عز شأنه ما يجب أن يتخلّق به التابعون ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة، وهو موقفهم من المهاجرين والأنصار خيار هذه الأمة الذين زكاهم الله ورسوله فقال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ: فليتق الله الذين يتناولون الصحابة رضوان الله عليهم بالنقد الجريء والتجريح، وليتأدبوا بأدب القران في هذا.
ثم ذكر الله المنافقين وكيف أغروا بني النضير على المعاندة حتى يئسوا منهم، ونزلوا على حكم الرسول فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا
…
إلى قوله:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. وقد ذكرتها أثناء الغزوة.
ثم بيّن الله أن اليهود لا يجرؤون على قتالكم إلا وهم متحصنون فقال تعالى: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ: أي هم يدّعون القوة والبأس فيما بينهم، فإذا لقوكم انهارت قواهم، وانماعت شجاعتهم، والمراد بالحصون الحسية والمعنوية، فتشمل الحصون المثبتة، والمتاريس، والخنادق ونحوها كما كان أولا، وتشمل أيضا الدبابات والطائرات، والقواعد التي يوجهون منها الصواريخ كما هو اليوم، ولو لم يكن إلا عنايتهم ببناء المسالح، والقرى المحصنة اليوم- المستعمرات- لكفى في بيان أسرار الإعجاز في الاية فاعتبروا يا أولي الأبصار.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى: تحسب اليهود والمنافقين متفقين في ظاهرهم ولكنهم مختلفون في بواطنهم، فأهواؤهم متشعبة وقلوبهم متفرقة.
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ: هم بنو قينقاع الذين سبقوا بالغدر والنذلة. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: فقد أجلوا في الدنيا ولهم العذاب في الاخرة.
ثم بين سبحانه أن مثل المنافقين في إغرائهم اليهود وتخليهم عنهم كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ
…
الايتين. وإلى هنا انتهى ما يتعلق ببني النضير.
ثم بعد ذلك نادى الله المؤمنين وأوصاهم بتقوى الله وأن يقدّموا ما ينفعهم في أخراهم، ولا يكونوا كاليهود الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ثم خلص من ذلك إلى أن السبب في العصيان والمخالفة واتباع هوى النفس إنما هو لعدم الفقه والتأمل في القران، هذا الكتاب الذي لو نزل على الجمادات لخشعت وتصدعت، فكيف لا تخشع له قلوبكم وتلين جلودكم؟ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
ثم ختم السورة بتقديس الله في ذكر الكثير من أسمائه فقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إلى قوله:
يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وبذلك ختم السورة بما بدئت به فسبحانه سبحانه في البدء والنهاية، وتقديسا له ثم تقديسا فيما مضى، وفي الحال، وفيما يستقبل، وعلى كل حال.