الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
هي السيدة زينب بنت جحش الأسدية، أخت شهيد أحد المجدّع في الله عبد الله بن جحش، وأمها السيدة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أوسط العرب دارا ونسبا، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وقد تحقق بذلك غرضان شريفان: إبطال حرمة زوجة الابن المتبنّى، والقضاء على عنجهية الجاهلية بالاعتزاز بالأحساب والأنساب.
ذلك أن العرب كان من عادتهم التبنّي، وكانوا يلحقون الابن المتبنّى بالابن العصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث وحرمة زوجه على من تبنّاه، وكانت تلك العادة متأصلة فيهم. كما كان كبيرا عندهم أن تتزوج بنات الأشراف من موال وإن أعتقوا وصاروا أحرارا.
فلما جاء الإسلام كان من مقاصده أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لادم، وادم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن يقضي على بدع الجاهلية، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من العرب هو زيد بن حارثة، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة الجاهلية هو رسول الله، فما على بنات الأشراف أن يتزوجن بعد من الموالي وهذه زينب بنت جحش قد اقترنت بزيد، وما على سادات العرب أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم بعد فراقهم لهن، وإمام المسلمين ومن يصدع بأمر الله قد فتح هذا الباب الموصد، وتزوج حليلة متبنّاه بعد فراقها، وقد كان ما أراده الله في تشريعه الحكيم.
فرسول الله يخطب زينب لزيد فتأنف وتأبى ويأبى بعض أهلها، وينزل الوحي من السماء بقوله تعالى:
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1» .
فلم يكن بدّ من الإذعان والخضوع لما أراد الله ورسوله، فيتزوجها زيد، ولكنه وجد منها تعاظما وترفعا، وكان يؤذيه ذلك، فرغب في فراقها وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه طلاقها، فكان ينصحه بإمساكها، وكان جبريل قد أخبر رسول الله بأن زينب ستكون من أزواجه، وسيبطل الله بزواجه منها هذه العادة الجاهلية، ولكن النبي وجد غضاضة على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقها ثم يتزوجها، فتشيع القالة بين الناس أن محمدا تزوج حليلة ابنه كما كان يدعى في الجاهلية، ويصير عرضة للقيل والقال، وإرجاف المرجفين، وهو في دعوته إلى الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، وقطع طريق التقوّل عليه من المبغضين.
فهذا القدر من خشية الناس حتى أخفى في نفسه ما أظهره الله بعد من تزوّجه بها هو ما عاتبه الله عليه، وقد صدع الوحي بالسبب الباعث على زواج النبي منها فقال عز شأنه:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ «2» وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ «3» أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» .
(1) سورة الأحزاب: الاية 36.
(2)
يعني بالإسلام وهو زيد.
(3)
يعني بالعتق.
(4)
سورة الأحزاب: الاية 37.
ثم ردّ الله سبحانه على من عسى أن يتقوّل على النبي بسبب زواج النبي من زينب أو من غيرها من أمهات المؤمنين، ويفتري عليه فقال: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً. الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «1» .
نعم هذه سنة الله في الأنبياء السابقين، فقد كان لداود مائة من الزوجات فضلا عن السراري، وكان لسليمان ما يزيد عن المائة، فلئن كان لخاتم الأنبياء أكثر من أربع فليس ببدع من الرسل.
ثم بين الله بطلان التبني وبطلان ما يترتب عليه من الحقوق والاثار فقال عز شأنه:
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «2» .
كما بيّن الله سبحانه إبطال التبني في الإسلام، وبين أنه لا يستقيم في منطق العقل أن يكون دعيا وابنا، فقال عز شأنه:
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ «3» أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «4» .
(1) سورة الأحزاب: الايتان 38- 39.
(2)
سورة الأحزاب: الاية 40.
(3)
جمع دعيّ وهو المتبنّى.
(4)
سورة الأحزاب: الايتان 4- 5.