الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان علي يقول:
لا يستوي من يعمر المساجدا
…
يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا
وكان بعضهم يقول:
لئن قعدنا والنبي يعمل
…
ذاك إذا للعمل المضلّل
وفي هذا الارتجاز في الأعمال والأسفار تنشيط للنفوس، وترويح للقلوب، فيسهل الشاق، ويلين الصعب.
ولما بني المسجد النبوي صار مصلّى المسلمين ومتعبدهم ومنتداهم ومكان تشاورهم، وكان فيه صفّة يأوي إليها الفقراء والمساكين ممّن لا مال لهم ولا دار، ولا يجدون ما يعملون به فيكتسبون، وفيه تلقى دروس العلم والحكمة. وهكذا كان المسجد النبوي يؤدي خدمات دينية وعلمية واجتماعية وسياسية، وكن على ذكر مما ذكرنا سابقا في منزلة المساجد في الإسلام.
الأطوار التي مرّ بها بناء المسجد النبوي
كان المسجد النبوي في عهده صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن- الطوب النيء- وكانت عمده من جذوع النخل، وسقفه من الجذوع والجريد. وهكذا كانت المساجد في عهده صلى الله عليه وسلم تمتاز بالبساطة وعدم التكلف، ولكنها كانت عامرة بالإيمان والهدى، والعلم والمعرفة.
يدل على هذه البساطة في بناء المسجد النبوي وغيره ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك- واللفظ لمسلم- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة «1» ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا
(1) في سيرة ابن إسحاق أنه قدم يوم الاثنين وخرج إلى المدينة يوم الجمعة، ويمكن التوفيق بين ما رواه ابن إسحاق وما ثبت في الصحيح بأن المراد تتمة أربع عشرة ليلة، ويكون داخلا فيها المدة التي قضاها رسول الله والصدّيق في الطريق بعد خروجهما من الغار حتى دخلا قباء.
متقلدي سيوفهم قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب.
فكان رسول الله يصلّي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد. قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا فقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» ، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى، قال أنس: فكان فيه ما أقول: كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطعت، وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت؛ قال: فصفّوا النخل قبلة وجعلوا عضادتيه حجارة، قال:
فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم «1» وهم يقولون:
اللهمّ إنه لا خير إلا خير الاخرة
…
فارحم الأنصار والمهاجره
وبقي المسجد النبوي على هذا الحال في خلافة الصدّيق رضي الله عنه، فلما كان عهد الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه، واتسعت رقعة الإسلام، وكثر الوافدون إلى المسجد، وسّعه عمر وأبقاه على ما كان عليه في عهد الرسول من بنيانه باللبن، وسقفه بالجريد، إلا أنه جعل عمده من الخشب بدل جذوع النخل. وقد روي عنه أنه قال لمن زاول البناء:(أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر لتفتن الناس) .
فلما ولي السيد الحييّ عثمان رضي الله عنه الخلافة زاد فيه زيادات كبيرة، وبنى جدرانه بالحجارة المنقوشة والقصة- الجص- وجعل عمده من الحجارة المنقوشة أيضا، وسقفه بخشب الساج «2» .
وقد أنكر بعض الناس على عثمان هذا، واعتبروه إسرافا وزخرفة، روى البخاري في صحيحه بسنده أن عثمان كان يقول عند قول الناس فيه حين بنى
(1) في رواية البخاري «فتمثل بشعر رجل من المسلمين
…
» قيل إنه عبد الله بن رواحة، فالشعر ليس من إنشاء الرسول قطعا، والعضادة جانب الباب.
(2)
خشب جيد يجلب من الهند.