الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليهود
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان فيها من أحياء اليهود: بنو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة، وكان نزوحهم إلى الحجاز أيام «بختنصّر» البابلي «1» الذي استولى على بلادهم بالشام، وهدم متعبداتهم، وخرب الهياكل للمرة الأولى، وأنزل العذاب بهم، وسبى الكثيرين منهم لما عتوا في الأرض فسادا واستكبارا.
ولعل هذا هو ما أراده الله سبحانه وتعالى في قوله:
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا «2» .
ففر بعضهم إلى بلاد الحجاز؛ فمنهم من سكن خيبر، ووادي القرى وتيماء، ومنهم من سكن بيثرب (أي المدينة) وذاك فيما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي «3» وقيل: إن هجرتهم إلى بلاد الحجاز: خيبر وما جاورها، ويثرب وما قرب منها، إنما كان سنة سبعين ميلادية، حينما هجم «طيطوس» الروماني على بلادهم واستولى على أورشليم، وخرّب الهيكل للمرة الثانية، ونكّل بهم، وقتلهم، وأذلهم «4» .
(1) وكان ذلك حوالي سنة 586 ق. م.
(2)
سورة الإسراء: الايتان 4، 5.
(3)
البداية والنهاية، ج 2، ص 39.
(4)
الملل والنحل للأستاذ حامد عبد القادر، ص 23 و 36.
ولعل هذا هو ما أشار الله إليه في قوله سبحانه:
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً «1» .
وقد سكن بجوارهم من قديم الزمان قبيلتا الأوس والخزرج، وكان اليهود ذوي ثروة ومال وزروع، وإن لم يكونوا ذوي بأس وقوة كالأوس والخزرج، فمن ثمّ عاشوا كالأتباع لهم، مستذلين صاغرين، وكان اليهود أهل كتاب، ويعلمون صفات النبي في توراتهم، وكانوا يستفتحون على الأنصار قبل البعثة، بالنبي الذي سيبعث، وإنهم سيتبعونه ويأخذون بثأرهم منهم، فلما بعث النبي جحدوا رسالته وكفروا به عنادا وبغيا وحسدا للعرب.
وقد سجل الله سبحانه وتعالى عليهم هذا في قوله:
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «2» .
وقال سبحانه:
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «3» .
ولما كان اليهود يزعمون كذبا وزورا أنهم شعب الله المختار، وأن النبوة لن تكون إلا فيهم، فقد عادوا الإسلام ونبيه عداء حاقدا، ولم يسلم منهم
(1) سورة الإسراء: الايتان و 7 و 8.
(2)
سورة البقرة: الاية 89.
(3)
سورة البقرة: الاية 146.
إلا القليل، أمثال عبد الله بن سلام؛ وأهله وعمته؛ ومخيريق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«مخيريق خير يهود» «1» قال ابن إسحاق في سيرته: وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته؛ وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما أراد الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«مخيريق خير يهود» وقبض رسول الله أمواله وتصدّق بها على المسلمين.
وقد نافق بعضهم وأظهر الإسلام خداعا ومضارة للمسلمين، كما قدّمنا، وأما الكثرة الكاثرة منهم فقد ناصبوا الإسلام وأهله العداوة، فمنهم حيي بن أخطب، وأخوه أبو ياسر، وسلّام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلّام بن أبي الحقيق، وهو أبو رافع الأعور تاجر أهل الحجاز، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وعمرو بن جحّاش، وكعب بن الأشرف، وشاس بن قيس، ومالك بن صيف، وكعب بن أسد، ووهب بن يهوذا «2» ، وغيرهم.
وروى ابن إسحاق بسنده عن صفية بنت حيي قالت:
(لم يكن أحد من ولد أبي وعمي أحب إليهما مني، ولم ألقهما في ولد لهما ولم أهشّ إليهما إلا أخذاني دونه. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قرية بني عمرو بن عوف- غدا إليه أبي وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلّسين، فو الله ما جاانا إلا مع مغيب الشمس، فجاانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما نظر إليّ واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله!! قال
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 236، 237؛ والإصابة في تاريخ الصحابة، ج 3 ص 393.
(2)
البداية والنهاية، ج 3 ص 236 و 237.
تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله!! قال: فماذا في نفسك منه؟ قال عداوته ما بقيت) .
وهذا يدل على مقدار ما كان يكنّونه للنبي والإسلام، وكان عاقبة حيي خسرا وخزيا، فقتل فيمن قتل يوم قريظة «1» .
وكذلك كانت عاقبة المكذّبين الحاقدين من اليهود، فمنهم من قتل، ومنهم من أجلي عن المدينة، ثم عن جزيرة العرب كلها، وأراح الله من شرورهم العباد والبلاد، وسنفصل ذلك حينما نعرض لمواقف الإسلام من بني إسرائيل.
(1) سيرة ابن هشام، ج 1 ص 518.