الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ادابه الاجتماعية
وأما ادابه الاجتماعية فقد أوفى فيها على الغاية، وكان ادب الناس وأحسنهم عشرة، وألينهم عريكة، وأرعاهم لشعور الناس وكراماتهم، فقد كان دائم البشر، لا يطوي عن أحد من أصحابه بشره، ولا تبسمه، ويعطي كل جليس من جلسائه نصيبه من الترحاب والرعاية، حتى لا يظن أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه.
وكان أحسن الناس إجابة، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك، وإذا حدّثه أحد مال إليه بأذنه، ولا ينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وكان يبدأ من لقيه ولو صبيا بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، وما صافح أحدا فيرسل يده حتى يرسلها الرجل الاخر، ويكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها ويكنّي أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يفرغ منه وكان لا يجلس إليه أحد يصلّي إلا خفف صلاته، وسأل عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته.
وكان يخدم ضيفه، ويكرم الوافد عليه، ولما قدم وفد النجاشي قام يخدمهم، فقال له أصحابه: إنا نكفيك هذا، فأبى وقال:«إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» ، وكان يقبل الهدية، ويكافىء عليها، وما صنع معه أو مع أهله
أحد معروفا إلا كافأه عليه، ومن قوله في هذا:«من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له» «1» .
وكان من أدبه في الطعام أن يغسل يديه، ويسمي الله في أوله، ويحمده في اخره ويأكل بيمينه، ويأكل من جانب القصعة، وينهى عن الأكل من وسطها أو تتبع أطيب ما فيها، وعن النفخ في الطعام، وما عاب طعاما قط: إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
وكان من أدبه في الشراب أن يشرب على دفعات، ويبين فمه من الإناء عند التنفس، وكان ينهى عن التنفس في الإناء، والنفخ في الشراب، ويسمّي في أول الشرب، ويحمد الله في اخره، ويشرب بعدما يشرب ضيوفه، وكان يقول:«ساقي القوم اخرهم شربا» .
وكان من أدبه في الطعام والشراب تقديم أهل اليمين على أهل اليسار، وذلك لأنه كان يحب التيامن في كل شيء، وتقديم الكبار على الصغار، لأنه الأمر الفطري الطبعي، وكان يقول:«ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويرحم صغارنا» ، وكل ذلك ثابت بالأحاديث الصحاح والحسان، فهل رأيت في باب الاداب الاجتماعية أفضل وأجمل من هذا؟!.
(1) رواه أبو داود والنسائي.