الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه أحد لبرزت أنا إليه، لما رأيت من إحجام الناس عنه» ، وهذا يدل على شجاعة رسول الله الفائقة التي لا تدانيها شجاعة.
وخرج سباع بن عبد العزّى من صفوف المشركين، وهو يقول: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال له: يا سباع، يا ابن أم أنمار أتحادّ الله ورسوله؟! ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب. ونادى أبو سعد بن أبي طلحة- وكان أحد حملة لواء المشركين وقد سمع علي بن أبي طالب يقول:
أنا أبو القصم «1» - فقال: هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة؟ قال: نعم، فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله.
التحام الجيشين
ثم التحم الجيشان، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وحملت خيّالة المشركين على المسلمين ثلاث مرات، فينضحهم الرماة بالنبال فينكصون على أعقابهم، وأبلى كثير من المسلمين في هذا اليوم بلاء حسنا، وأظهروا من البطولات ما أعجز المشركين.
فاندفع أبو دجانة «2» وقد اعتصب بعصابة الموت وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
…
ونحن بالسفح لدى النخيل
ألاأقوم الدهر في الكيول «3»
…
أضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدا من المشركين إلا قتله، ورأى رضي الله عنه إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا، قال: فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولول،
(1) بضم القاف وفتح الصاد، وروي بالفاء، والقصم- بالقاف- القطع مع الإبانة، والفصم- بالفاء- قطع من غير إبانة.
(2)
أبو دجانة: بضم الدال وتخفيف الجيم، واسمه: سماك بكسر السين ابن خرشة بفتح الخاء والراء والشين.
(3)
الكيول: اخر الصفوف في الحرب، ويروى أيضا الكبول: جمع كبل وهو القيد.
فإذا هي امرأة، وهي هند بنت عتبة، قال: فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
وقاتل علي، والزبير، وطلحة بن عبيد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأبطال غيرهم كثيرون، وقاتل أسد الله حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال، لا يمر به أحد من المشركين إلا أطاح برأسه؛ ولا يقدر أحد أن يهوي إليه، فقتل نفرا من حملة اللواء من بني عبد الدار؛ وبينما هو على هذه الحال؛ كمن له وحشيّ حتى تمكن منه، ثم رماه بحربته فأصابت منه مقتلا، وسأدع وحشيا يحدثنا عن هذا المشهد المؤلم المثير قال:
(كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت حر، قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلا أقذف بالحربة قذف الحبشة؛ قلّ ما أخطىء بها، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الأورق «1» ، يهد الناس بسيفه هدّا ما يقوم له شيء، فو الله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني، فلما دنا هززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته- تحت سرته- حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أخذت حربتي ورجعت، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق)«2» .
وسرت قوة الإيمان في نفوس المسلمين، وضاعفت من قواهم المعنوية، فإذا السبعمائة يهزمون الثلاثة الاف، حتى لقد قتل من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار سبعة أو تسعة، ولم يزل اللواء صريعا لا يجد من يحمله، حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فاجتمعوا عليه، وأنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوهم بالسيوف، حتى كشفوهم عن المعسكر، وولولت نساء المشركين، وأصعدن في الجبل هربا.
(1) الجمل الأورق: الذي لونه بين الأبيض والأسود «الرمادي» .
(2)
البداية والنهاية، ج 4 ص 18.