الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المساكنين لهم في المدينة، كي يأمنوا شرورهم، ولا يقال: إن النبي أرسل سرايا في السنة الأولى، لأنها في نظرنا كانت للمناوشات وإرغامهم على أن يفكروا جديا في تغيير خطتهم تجاه المسلمين، وتركهم يبلّغون دين ربهم وهم امنون مطمئنون.
لم شرع الجهاد في الإسلام
؟
لقد تضمنت ايات سورة الحج المذكورة انفا الأسباب والأغراض التي اقتضت تشريع الجهاد، ولن أخرج في بيان ذلك عن منطق الاية وفحواها، حتى يكون في هذا إلقام الحجر لمن يتقوّل على الإسلام، ومن هذه الايات نستخلص الأسباب والحكم الاتية:
1-
تأمين دعوة الإسلام، الدين العام الخالد، الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، ومساندة هذه الدعوة التحريرية الكبرى، حتى يتمكن النبي من تبليغ رسالة ربه حسبما صدع به الوحي في قوله:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ «1» .
وقوله:
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ «2» .
وتأمين المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام عن رضا واطمئنان، وحمايتهم من أذى المشركين، ومنحهم حقهم في الإعلان عن عقيدتهم وهم امنون، وليس من الحق والعدل أن يدافع أصحاب المذاهب الباطلة عن باطلهم بالقوة، وأن يترك أصحاب العقائد الصحيحة والشريعة السمحة من غير أن يؤذن لهم في الدفاع عن عقيدتهم ودينهم، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله: بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وأي
(1) سورة المائدة: الاية 67.
(2)
سورة الأنعام: الاية 19.
ظلم أظلم من ألايجد الهداة والمصلحون متنفسا لدعواتهم في أرض الله الواسعة؟ ومن أن يحجر عليهم فلا يستطيعون الإعلان عن عقائدهم، ولا إظهار شعائرهم؟ والمظلوم إن لم يجد النصر من أهل الأرض فسيجده لا محالة من السماء، وصدق الله: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ.
2-
الانتصاف للمظلوم من الظالم، والانتصار للنفس، فها هم المشركون قد اذوا المسلمين، وحاولوا ما وسعهم الجهد أن يفتنوهم عن دينهم، فلما لم يفلحوا أخرجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم. والانتصار للنفس أمر فطري، وحق من حقوق الإنسان، قررته الشرائع السماوية والقوانين الأرضية، وقد قرر الله هذه الحقيقة الإنسانية في قوله سبحانه:
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» .
وقد أمر الله المسلمين بالصبر على أذى المشركين والتسامح معهم طوال العهد المكي وأوائل العهد المدني؛ عسى أن يرعووا، ولكنهم لم يزدادوا إلا بطرا وظلما واستعلاء في الأرض، فأما إذا لم تفلح معهم سياسة المهادنة والتسامح، فلتقابل القوة بالقوة، والسلاح بالسلاح، وإلّا صار السكوت والإغضاء عجزا وضعفا ومهانة.
وليس من العدل والحق أن يترك المشركون يمرحون في الأرض، ويجوبون الجزيرة من الجنوب إلى الشمال، ولا يؤذن للمسلمين في محاربتهم من جنس ما حاربوهم به، وأن يقطعوا عليهم تجارتهم، ويأخذوا منها ما تصل إليه أيديهم نظير ما اغتصبوا من أموالهم، وأن يضيّقوا عليهم مثل ما ضيقوا عليهم، وصدق الله حيث يقول:
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها «2» .
(1) سورة الشورى: الايتان 41، 42.
(2)
سورة الشورى: الايتان 39، 40.
وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذا بقوله:
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ «1» .
3-
إن في تشريع الجهاد نشر للسلام والأمان في الأرض، وتأمين كل ذي دين على دينه، واحترام مقدسات الأديان في الأرض. والإسلام هو الدين الذي ألزم معتنقيه بالإيمان بجميع رسل الله، وجميع كتبه المنزلة من عنده، وإذا كان اعتبر القران هو الشاهد والمهيمن على الكتب السماوية كلها، فلأنه هو الكتاب الذي سلم من التحريف والتبديل، لأنه نقل بأقوى طرق النقل والإثبات، وهو التواتر المفيد للقطع واليقين.
فالمسلمون حينما تكون لهم السلطة والغلبة في الأرض فلا خشية على أهل الأديان الاخرى منهم، لأن لهم من وصايا دينهم ما يعصمهم من الظلم والجور والتعنت، ولا كذلك الحال لو ساد غيرهم، وهذا ما صدقه الواقع والتاريخ الصادق، فحينما كان السلطان للمسلمين في الأرض، لم يضارّ أحد من أهل الذمة في دينه، ولا في دنياه، ولا في نفس ولا عرض ولا مال، فلما ذهبت ريحهم، وغلبوا على أمرهم، ذاقوا من أعدائهم ألوان العذاب من تقتيل وتخريب وانتهاك للحرمات.
وليس أدل على ذلك من أن الإسلام قبل من أهل الكتاب إما أن يسلموا، وإما أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية، وهي ليست للإكراه على الدخول في الإسلام أو المضايقة، ولكنها نظير ما تقوم به الدولة الإسلامية من رعاية وحماية لأهل الأديان الاخرى، وما تؤديه لهم من خدمات اجتماعية واقتصادية، وقد أشار الله سبحانه إلى هذا الغرض النبيل في قوله سبحانه:
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ
(1) سورة الحج: الاية 40.