الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس في أن الله تعالى يعذب من يشاء ويرحم من يشاء
قالت الإمامية إن أحدنا لا يعذب بصغير ولا كبير لا في القيامة ولا في القبر، وحب علي كاف في الخلاص إذ لات حين مناص.
ونقول تبا لهم، أوَلا يفقهون أن حب الله ورسوله بلا إيمان غير كاف، وهذا غير خاف. وهذه العقيدة في الأصل مأخوذة من اليهود حيث:{قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . وعمدة ما يتمسكون به مفتريات وضعها الضالون المضلون وتلقتها الحمقاء الجاهلون. منها ما رواه ابن بابويه القمي في علل الشرائع عن المفضل بن عمر قال: "قلت لأبي عبد الله: لم صار علي قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا باغضوه". ويدل على الوضع المخالفة للكتاب، وهو قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وكل رواية تخالف قواطع النصوص فهي موضوعة جزما.
وأيضا حب الأمير ليس كل الإيمان، وإلا لبطلت التكاليف ولا تمام المشترك، لأن التوحيد والنبوة أصل أقوى وأهم، فهو جزء من أجزاء الإيمان فلا يكفي وحده لدخول الجنة. وأيضا "لا يدخل النار إلا مبغضوه" يدل على أن لا يدخل النار أحد من الكافرين غير الباغضين كفرعون وهامان لأنهم لم يعرفوا فلم يبغضوا، سبحانك هذا بهتان عظيم.
سلمنا ما يريدون، لكن لا يثبت المطلوب أيضا لأن الحاصل لا يدخل الجنة إلا محبوه أن لا يدخل الجنة من لا يحب عليا لا أن كل من يحبه يدخلها، والمدعى هذا لا ذلك والفرق واضح. فلهذا روى ابن بابويه رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جائني جبريل وهو مستبشر فقال: إن الله الأعلى يقرئك السلام وقال: محمد نبيي وعلي حجتي لا أعذب من والاه وإن عصاني ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني". ويدل على وضعها لزوم التفضيل، كيف ولا خوف على العاصي ولو منكرا للرسول بحب علي، ولا منفعة للمطيع ولو مؤمنا ببغضه. وهي مخالفة للنصوص كما سبق. على أن التكاليف تكون عبثا ولم يبق إلا الحب والبغض، وفيه الإغراء للنفوس وإمداد الشيطان ومفاسد شتى. على أنه لم يذكر ذلك في القرآن. وانظر مرويات لهم أخر تعارض ما سبق وتعارضه، لكن الكذاب كما قيل لا حافظة له.
ومنها ما رواه سيدهم وسندهم حسن بن كبش عن أبي ذر قال: "نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: هذا خير الأولين من أهل السماوات وأهل الأرض، هذا سيد الصديقين، هذا سيد الوصيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، إذا كان يوم القيامة جاء على ناقة من نوق الجنة أضائت عرصة القيامة من ضوئها على رأسه تاج مرصع من الزبرجد والياقوت، فتقول الملائكة: هذا ملك مقرب، ويقول النبيون: هذا نبي مرسل، فينادي مناد من تحت بطنان العرش: هذا الصديق الأكبر هذا وصي حبيب الله تعالى علي بن أبي طالب، فيقف على متن جهنم فيخرج منها من يحب ويدخل فيها من يبغض، ويأتي أبواب الجنة فيدخل فيها من يشاء بغير حساب".
ولا يخفى أن هذه الرواية ناصّة على أن بعض العصاة ممن يحب الأمير يدخلون النار ثم يخرجهم الأمير ويدخلهم الجنة، فإن كانوا محبيه فلمَ دخلوا؟ وإن لم يكونوا فلمَ خرجوا؟ وأيضا تدل على كذب الحصر السابق في قوله تعالى: لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا
يدخل النار إلا مبغضوه. فالرواية باطلة.
ومنها ما رواه ابن بابويه القمي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبدا مكث في النار سبعين خريفا، كل خريف سبعون سنة، ثم إنه سأل الله تعالى بحق محمد وآله أن يرحمه فأخرجه من النار وغفر له" انتهى.
فإن كان هذا محبا فلمَ يعذب؟ وإلا فلمَ يدخل الجنة؟ فلينظر في كلامهم وليتأمل. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.