الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في أن الرسول أفضل الخلق ولا يكون غيره أفضل منه
ذهبت الإمامية وكثير من فرق الشيعة إلى أن عليا أفضل من الرسل إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه يساويه في الفضل، وكذا الأئمة من ولده. وقالت فرقة منهم: هو أفضل من جميع الرسل إلا أولي العزم، فإنه يساويهم في الفضل، وكذا الأئمة من ولده. وتوقف بعضهم في الأفضلية على أولي العزم، منهم ابن المطهر الحلي. والكل باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة ومن وافقهم أن غير النبي لا يكون أفضل من النبي، لإجماع المسلمين في القرون الثلاثة على ذلك، وهذا الإجماع حجة بالاتفاق، لأن فيهم أئمة. وقد روى أهل السنة والزيدية عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه كان يضلل القائل بالتفضيل على الأنبياء. ولكون رتبة الأنبياء أرفع قدموا في الذكر قال تعالى:{فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} وقال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء والرسل سادة أهل الجنة".
واحتج من خالف أهل الحق بما رواه الراوندي عن أبي عبد الله قال: "إن الله عز وجل فضل أولي العزم من الرسل على الأنبياء بالعلم وورثنا علمهم وفضلنا عليهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يعلمون، وعلمنا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وتلا قوله تعالى:{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} .
وما رواه حسن بن كبش عن أبي ذر قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب وقال: "هذا خير الأولين وخير الآخرين من أهل السموات والأرض". وما رواه عن أبي وائل عن عبد الله بن عباس قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل: "علي خير البشر، ومن أبى فقد كفر". ومما رواه ابن بابويه وغيره من الإمامية عن أبي عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا".
والجواب أن هذه الأخبار كلها موضوعة مكذوبة على أهل البيت، وقد تفرد بها الإمامية. ولا يجوز الاحتجاج بها عندهم لأنها معارضة بمثلها. فقد روى الكليني وغيره عن هشام الأحول أنه قال:"سألت زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: الأنبياء أفضل أم الأئمة؟ فقال: الأنبياء أفضل". ولو كانت الأئمة أفضل لأخبره بذلك أبوه، ولو أخبره لما خالفه. وروت الزيدية عن الأئمة الثلاثة أن من قال إن إماما من الأئمة أفضل من نبي فهو هالك.
وروى محمد بن بابويه القمي في الأمالي عن الصادق عن آبائه في خبر تزويج فاطمة لعلي أن الله تعالى قال لسكان الجنة من الملائكة وأرواح الرسل ومن فيها: "ألا إني زوجت أحب النساء إلي أحب الرجال إلي بعد النبيين"، والأحب أفضل. ولأن تلك الأخبار على فرض صحتها لا تفيد في باب العقائد لأنها أخبار آحاد وهي تفيد الظن، ولأنها ليست بحجة مطلقا عند المحققين من الإمامية، كابن زهرة وابن إدريس وابن السراج والمرتضى وجمع من المتقدمين والمتأخرين. ولأن الزيادة في العلم لا توجب الأفضلية بمعنى كثرة الثواب، وإلا لزم كون خضر أفضل من موسى لكونه أعلم، على ما نص عليه الكتاب، ولا قائل به. روى ابن الشريفة الواسطي عن ميثم الهاشمي عن أمير المؤمنين:"أن موسى بن عمران أنزل الله عليه فظن أن لا أحد أعلم منه، فأخبر أن في خلقه من هو أعلم منه، فدعا ربه أن يرشده إلى العالم، فجمع الله تعالى بينه وبين خضر". والمراد بالعلم في قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} العلم النافع في الدين، الذي هو مناط الاعتقاد والعمل. وأما غيره من العلوم فلا يوجب التفضيل، ولم يكن نبي من الأنبياء غير عارف بشيء منه. ومن ادعا مساواة أحد من الأئمة لنبي من الأنبياء فليس له دليل عليه.
وزاد في الغلو الإمامية فقالوا: لولا علي لم يخلق الله الجنة ولا الأنبياء ولا الملائكة. وتمسكوا في ذلك بما رواه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان -شيخ المرتضى وأبي جعفر الملقب عندهم بالمفيد- عن محمد بن الحنفية قال: قال أمير المؤمنين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا سيد الأنبياء وأنت سيد الأوصياء،
لولانا لم يخلق الجنة يا علي ولا الأنبياء ولا الملائكة". وهذا أيضا من مفترياتهم، إذ هذه المرتبة لم تثبت لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم.