الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باطل لا سيما إمامة عبد الله بن عباس وابن الحنفية وزيد بن علي وإسحاق بن جعفر الصادق وأمثالهم من أهل البيت، فتدبر.
مطلب الأدلة العقلية
أما الأدلة العقلية فهي حبائل خيالية ووسوسة شيطانية.
منها أن الأمام يجب أن يكون معصوما، وغير الأمير من الصحابة لم يكن معصوما، فكان هو إماما لا غيره.
وفي هذا الترتيب نظر يظهر لذي نظر، وفيه بعدُ منع. أما الصغرى فلأن الأمير نص بقوله:«إنما الشورى للمهاجرين والأنصار» على أن الشورى لهم فقط، وبديهي عدم العصمة فيهم. ولمّا سمع قول الخوارج:«لا إمرة» قال: «لا بد للناس من أمير بر أو فاجر» كذا في نهج اليلاغة.
وأيضا طريق العلم بالعصمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم مسدود، إذ أسباب العلم ثلاثة: الحواس السليمة، والعقل، وخبر الصادق. ولا سبيل لأحد منها إلى تحصيله. أما الأول فظاهر إذ العصمة ملكة نفسانية تمنع من صدور القبائح وهي غير محسوسة. وأما الثاني فلأن العقل لا يدرك الملكة إلا بطريق الاستدلال بالآثار والأفعال، وأين الاستقراء التام في المقام، سيما مكنونات الضمائر من العقائد الفاسدة والحسد والبغض والعجب والرياء ونحوها. ولو فرضنا الاطلاع على عدم الصدور فأين عدم إمكانه وهو المقصود. وأما الثالث فلأن خبر الصادق إما متواتر أو خبر الله ورسوله. وظاهر أن التواتر لا دخل له هنا، إذ يشترط انتهاؤه إلى المحسوس في إفادة العلم ولا انتهاء إذ لا محسوس. وخبر الله والرسول لا يكون موجبا للعلم هنا على أصول الشيعة لإمكان البداء عندهم.
وأيضا وصول الخبر إلى المكلفين إما بواسطة معصوم أو بواسطة تواتر، ففي الأول يلزم الدور، وفي الثاني يلزم خلاف الواقع، لأن كل تواتر ليس مفيدا للعلم القطعي عند الشيعة، كتواتر المسح على الخف، وغسل الرجلين في الوضوء، و {أمة هي أربى من أمة} ، وصيغة التحيات ونحو ذلك. فلا بد من التعيين، وذلك غير مفيد، إذ حصول العلم القطعي من التواتر يكون بناء على كثرة الناقلين وبلوغهم ذلك المبلغ، ولما كذب الناقلون في مادة أو مادتين ارتفع الاعتماد عن اقسامه. ولا يرد هذا في الأنبياء للمعجزة وبتميزهم على غيرهم. وفرق بين التابع والمتبوع فافهم.
وأما الكبرى فلأن الأمير قال لأصحابه: «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنني لست بفوق أن أخطئ ولا آمن من ذلك في فِعلي» كذا في النهج. وهذا لا يصدر من معصوم، لا سيما وبعده:«إلا أن يلقي الله في نفسي ما هو أملك به مني» والمعصوم يملكه الله تعالى نفسه. وأيضا روي في دعاء الأمير: «اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك ثم خالفه قلبي» كذا في النهج أيضا، فليتدبر حق التدبر.
ومنها أن الإمام لا بد من أن لا يرتكب الكفر قط، لقوله تعالى:{لا ينال عهدي الظالمين} والكافر ظالم لقوله تعالى: {والكافرون هو الظالمون} ، وغير الأمير من الصحابة عبدوا الأصنام في الجاهلية، فيكون هو إماما دون غيره.
وفيه ما في الأول. والنقض بابن عباس. لا يقال اشتراط العصمة تدفعه لأنا نقول بعد التسليم، فالدليل ذاك لا هذا كما لا يخفى. وأيضا من تاب وآمن وعمل صالحا لا يصدق عليه الظلم، إذ تقرر أن المشتق فيما قام به المبدأ في الحال حقيقة وفي غيره بشرط الاطراد
والتعارف مجاز، فلا يقال للشيخ صبي وللنائم مستيقظ وللحي ميت. وأيضا قد روى الزاهدي من الحنفية في معالي العشر في حديث طويل أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم بمحضر من المهاجرين والأنصار:«وعيشك يا رسول الله إني لم أسجد للصنم قط، فنزل جبريل عليه السلام وقال: صدق أبو بكر» وكذا نقل أهل السير والتواريخ، فصحت إمامته بملاحظة هذا الشرط، ولله تعالى الحمد.
ومنها أنه ادعى الإمامة وأظهر المعجزة كدحي باب خيبر والقصة معلومة وحمل الصخرة في صفين إذ عطش القوم وحفروا بئرا فصادفوا صخرة عظيمة في الأثناء وعجزوا عن قلعها فقلعها الإمام، ومحاربة الجن في غزوة بني المصطلق ورد الشمس وهي مشهورة، فيكون إماما.
وفيه أما أولا فلأن إظهار المعجزة خاص بالأنبياء عند دعوى النبوة، إذ لا سبيل للعلم بها إلا به، وفي الغير لا تثبت دعوى رجل على آخر بإثبات خارق على آخر بإثبات خارق دون شهود. [ولما كانت] الإمامة متعلقة بتعيين النبي صلى الله عليه وسلم أو أمته من يصلح لذلك، فلا تكون معجزة دليلا هنا.
وأما ثانيا فلأن الإظهار لم يكن من عند الدعوى، ودعوى ذلك محض كذب، فالرد والدحي والمحاربة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دعوى بالإجماع. على أن ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم لا من معجزاته رضي الله تعالى عنه. وحمل الصخرة على تقدير تسليمه لم ينقل مقارنته للدعوى، وعلى تقدير النقل فالإمامة إذ ذلك حق له دون غيره عندنا أيضا وليس محل النزاع. ومحاربة الجن لا أثر لها في كتب أهل السنة أيضا.
ومنها أن الأمير كان متظلما ومتشكيا من الخلفاء الثلاثة دائما في حياته، وبيّن أنه مظلوم ومقهور، وما ذاك إلا لغصب الإمامة منه، فتكون الإمامة حقه دون غيره، إذ الأمير صادق بالإجماع.
وأنت تعلم أن هذا الدليل غير مذكور بتمامه، فإن كبراه مطوية وهي «وكل من كان كذلك فهو إمام» فيلزم من بعد تسليمه أن يكون كل من أوذي منهم بحد أو قصاص ونحو ذلك إماما، وهو باطل. واعتبار القيود الأخر يبطل التعدد ويجعله حشوا.
وأجيب عن هذا الدليل بمنع صحة تلك الروايات، لأن أهل السنة لم يثبت عندهم إلا روايات الموافقة والمناصحة والثناء والذكر الجميل ونحو ذلك. وأكثر روايات الإمامية في هذا الباب موافقة لروايات أهل السنة كما تقدم نقله عن الأمير في نهج البلاغة في قصة عمر، ومن ثنائه عليهم وذكرهم بالخير في حياتهم وبعد مماتهم. وروايات أهل السنة في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
ولنذكر منها رواية واحدة رواها الحافظ أبو سعيد بن السمان في كتابه الموافقة وغيره من المحدثين عن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أنه لما قبض أبو بكر الصديق وسجي عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء علي باكيا مسترجعا وهو يقول:«اليوم انقطعت خلافة النبوة» فوقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر مسجى فقال: «رحمك الله أبا بكر، كنت إلف رسول الله وأنيسه ومستروحه وثقته وموضع سره ومشاورته، كنت أول قومه
إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل، وأحوطهم على رسول الله وأشفقهم عليه، وأحدبهم على الإسلام، وأمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ورحمة وفضلا وخلقا، وأشرفهم عنده منزلة وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده. فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا. كنت عنده بمنزلة السمع والبصر، صدّقت رسول الله حين كذبه الناس فسماك الله في تنزيله صديقا فقال عز وجل {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} فالذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به أبو بكر. وآسيته حين بخلوا، وقمت معه عند المكاره حين عنه قعدوا وصحبته في الشدة أحسن الصحبة، ثاني اثنين وصاحبه في الغار والمنزل عليه السكينة ورفيقه في الهجرة وخليفته في دين الله عز وجل. أحسنت الخلافة حين ارتد الناس وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي. نهضت حين وهن أصحابك وبرزت حين استكانوا وقويت حين ضعفوا ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ كنت خليفته حقا، ولم تنازع ولم تدفع برغم المنافقين وكيد الكافرين وكره الحاسدين وضغن الفاسقين وزيغ الباغين. قمت بالأمر حين فشلوا ونطقت حين تعتعوا ومضيت نفوذا إذ وقفوا فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا وأعلاهم قوة وأقلهم كلاما وأصوبهم منطقا وأطولهم صمتا وأبلغهم قولا وأكبرهم رأيا وأشجعهم نفسا وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملا. كنت والله للدين يعسوبا حين نفر الناس عنه وآخرا حين فشلوا.
كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، تحملت أثقال ما ضعفوا عنه ورعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعوا وعلوت إذ هلعوا وصبرت إذ جزعوا وأدركت أوطار ما طلبوا ورجوا. أرشدتهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا وجليت عنهم فأبصروا. كنت على
الكافرين عذابا صبا وللمؤمنين رحمة وأنسا وحصنا، فطرت والله بعبابها وفزت بجنابها وذهت بفضائلها وأدركت سوابقها، لم تقلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يزغ قلبك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف. كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الناس عليه في صحبتك وذات بلدك، وكما قال ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في أعين المؤمنين كبيرا في أنفسهم، لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق. والقريب والبعيد عندك سواء. أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له. شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وجزم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم، فبلغت والله بهم نهج السبيل وسهلت العسير وأطفأت النيران واعتدل بك الدين وقوي الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، فسبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا مبينا، فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك وهدت مصيبتك الأنام. فإنا لله وإنا إليه راجعون».