الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن شرذمة قليلة أمكن تواطؤهم على الكذب، ولكنهم عزوا ما سمعوه من البعض إلى الكل لعدم التهمة، وروى عنهم جمع لا يحصى، وهكذا إلى المنتهى، إذ لم يعزو إليهم، ولكن ذاع ذلك الخبر في الطبقة الثالثة، وروى عنهم الطبقة الرابعة، وهلم جرا إلى زماننا هذا، فيكون هذا التواطؤ كتواطئ اليهود في روايتهم عن موسى أنه قال:"هذه شريعة مؤبدة ما دامت السماوات والأرض"، وتواطىء النصارى عن عيسى عليه السلام أن رسالة ابن البشر قد ختمت قبل وأنه ابن الله.
وقول الرافضة: إنه لا يشترط العدد في التواتر، بل يحصل العلم بخبر أربعة إذا كان محفوفا بالقرائن، باطل. فإنه وإن لم يشترط العدد في التواتر على الأصح، لكنه اشترط أن يكون الرواة في كل طبقة جمعا يستحيل تواطؤهم على الكذب، وعدد الأربعة ونحوه يجوز تواطؤهم على الكذب، والقرائن الظنية لا يعول عليها ولا يحصل منها العلم بصدق الخبر، فإن من كان مريضا في دار، فأخبر أربعة أشخاص بموته إنسانا، ثم سمع من تلك الدار صوت البكاء، لا يحصل العلم بموته، لاحتمال أن يكون البكاء لاشتداد مرضه وإغمائه، أو موت بعض أهل الدار فجأة، أو بسبب التردي، أو نحو ذلك. وقد تفردت الرافضة بهذا القول، مع أنه لم يقل به أحد من أولي النهى، وذلك دعوى ليس لهم دليل عليه.
فقد تبين بما ذكر أن هؤلاء الفئة الضالة، ليسوا على شيء، وقد بنوا مذهبهم على شفا جرف هار.
(الأدلة عند الشيعة)
وأقول زيادة على ما ذكر المؤلف ملخصا ذلك من ترجمة التحفة الاثني عشرية:
اعلم أن الأدلة عند الشيعة كتاب وخبر وإجماع وعقل.
أما الكتاب الذي يعتمد عليه في الاستدلال، فهو المأخوذ من الأئمة المعصومين، ولم يوجد عندهم. وأما الذي في الأيدي، فزعموا فيه التحريف والإسقاط -والعياذ بالله- كما في الكافي وغيره، فلا اعتماد على الاستدلال به لجواز النسخ بما سقط وتخصيص العام، ونحو ذلك. ونقلته عندهم كنقلة التوراة والإنجيل، فسقة فجرة منافقين مداهنين - معاذ الله تعالى من ذلك.
وأما الخبر فلا بد له من ناقل، فهو إما من الشيعة أو من غيرهم. ولا عبرة بغيرهم لأن الصدر الأول منهم ارتدوا، والعياذ بالله تعالى. وأما الشيعة فلهم اختلاف فاحش فيما بينهم في أصل الإمامة وتعيين الإمام، ولا يمكن إثبات قول من أقوالهم إلا بالخبر، لأن الكتاب ساكت عن المقصود بحيث يفحم المخالف. وأيضا قد عرفت حال
الكتاب، فلم يبق إلا الخبر. فلو توقف ثبوت الخبر وحجيته على ثبوت ذلك القول لزم الدور. وأيضا كون الخبر حجة، إما لأنه قول المعصوم، أو وصل بواسطة المعصوم من المعصوم الآخر؛ وعصمة أحد بعينه لا تثبت إلا بخبر، والكتاب حاله معلوم عندهم، والعقل عاجز، والمعجزة على تقدير الصدور أيضا موقوفة على الخبر، لأن مشاهدة التحدي ورؤية المعجزة لم تتيسر لكل. والإجماع أيضا إنما يكون حجة بدخول المعصوم فيه، ومع هذا في نقل إجماع الغائبين لا بد من الخبر. وفي إثبات عصمة رجل بعينه بخبره، أو بخبر المعصوم الآخر الذي وصل الخبر بواسطته دور صريح. وأيضا كون الخبر حجة موقوف على نبوة نبي وإمامة إمام، وإذا لم يثبت بعد أصله كيف يثبت فرعه. والتواتر عندهم ساقط عن حيز الاعتبار، لأن كتمان الحق والزور قد وقع من عدد التواتر، وخبر الآحاد غير معتبر في مثل هذه المطالب بالإجماع، فالاستدلال بالخبر مطلقا غير ممكن.
وأما الإجماع فبطلانه ظاهر؛ لأن ثبوت الإجماع فرع ثبوت النبوة والإمامة، ولو لم يثبتا كيف يثبت؟ وأيضا كون الإجماع حجة ليس بالأصالة، بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حجيته على قول المعصوم، وقد علمت ما علمت. وأيضا دخول المعصوم في الإجماع وموافقة قوله لأقوال سائر الأئمة لا يثبت إلا بالخبر، واللازم لازم، فتأمل.
وأما العقل فالتمسك به إما في الشرعيات أو غيرها. أما في الشرعيات فلا يمكن الاستدلال به عندهم، لأنهم منكرون أصل القياس، ولا يعلمونه حجة. وأما في غير الشرعيات فيتوقفون على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب. وهذه من الأمور التي لا تحصل إلا بإرشاد الإمام المعصوم، إذ قد كثر التخالف والتزاحم
في العقول وترجيحاتها، فلابد من ترجيح معصوم، ولا يكون إلا نبيا أو إماما. وإذا لم يثبت هذا لم يثبت ذاك. مع أن الكلام في الدلائل الشرعية والأمور الدينية، فإثباتها بالعقل الصرف لا يمكن لأن العقل عاجز عن معرفتها تفصيلا بالإجماع. نعم، يمكن معرفتها للعقل إذا كان مستمدا من الشريعة وقد كان أصل الحكم قد أخذ من الشارع، فحينئذ يقيس شيئا آخر على ذلك الأصل. ولكن لما كان القياس عندهم باطل لم يبق للعقل مطلقا في الأمور الشرعية دخل، لا سيما في قواعد الشرع وكلياته، فإن للعقل فيها ترددا واضطرابا. وإذا كان حال العقل كذلك، ففي أي دليل يستدل؟ انتهى.
وأما أهل السنة فلا يرد عليهم ما ورد على الشيعة على ما لا يخفى، لأن الصحابة عندهم كلهم عدول، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.