الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس في أن العدالة شرط في الإمامة لا العصمة
ذهبت الشيعة سيما الإمامية والإسماعيلية إلى أن الإمام يجب أن يكون مصتفا بالعصمة، بمعنى امتناع صدور الذنب كما في الأنبياء.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة، لقوله تعالى:{إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} فكان واجب الطاعة بالوحي ولم يكن معصوما بالإجماع. وقوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} فكان قبل النبوة إماما وخليفة وصدر منه ما صدر، ويدل على ذلك قوله تعالى:{فعصى آدم ربه فغوى} وقوله {ثم اجتباه ربه} والاجتباء في قوله تعالى في حق يونس: {فاجتباه ربه فجعله من الصالحين} والاصطفاء للدعاء ورده إليه لا الاستنباء، إذ قد ثبت بقوله:{وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون} بخلاف ما [نحن] فيه، كذا قيل، فليتأمل.
وروى الكليني في الكافي ما قال الأمير لأصحابه: «لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ» والحمل على المشورة الدنيوية يأباه الصدر كما لا يخفى.
وأيضا روى صاحب الفصول عن أبي مخنف أنه قال: "كان الحسين يبدي الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية ويقول: لو جز أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي". وإذا خطّأ أحد المعصومين الآخر ثبت خطأ أحدهما بالضرورة لامتناع اجتماع النقيضين.
وأيضا في الصحيفة الكاملة للسجاد: «قد ملك الشيطان عناني في سوء الظن
وضعف اليقين، وإني أشكو سوء مجاورته لي وطاعة نفسي له» وظاهر أنه على الصدق. والكذب مناف للعصمة.
وقد أسلفنا قول الأمير: «لا بد للناس» الخ.
ومن أدلة الشيعة على العصمة أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل. بيان الملازمة أن المحوج للنصب هو جواز الخطأ للأمة، فلو جاز الخطأ عليه أيضا لافتقر إلى آخر وهكذا، فيتسلسل.
ويجاب بمنع أن المحوج ما ذكر، بل المحوج تنفيذ الأحكام ودرء المفاسد وحفظ بيضة الأسلام مثلا، ولا حاجة في ذلك إلى العصمة، بل الاجتهاد والعدالة كافيان. ولما لم يكن إثم على التابع إذ ذاك استوى جواز الخطأ وعدمه. سلمنا، لكن التسوية ممتنعة بل تنتهي السلسلة إلى النبي. سلمنا، لكنه منقوض بالمجتهد النائب عن الإمام في الغيبة عند الإمامية، وليس بمعصوم إجماعا، فيلزم ما لزم، والجواب هو الجواب.
ومن أدلتهم أنه حافظ للشريعة، فكيف الخطأ؟
ويجاب بالمنع، بل هو مروِّج، والحفظ بالعلماء لقوله تعالى:{والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} وقوله تعالى: {كونوا ربانيين بما كنتم تدرسون} . وأيضا إذا كان الحفظ بالعلماء زمن الفترة وفي الغيبة على ما في كشكول الكرامة للحلي ففي الحضور كذلك. سلمنا، لكن الحفظ بالكتاب والسنة والإجماع، لا بنفسه، ويمتنع الخطأ في هذه الثلاثة، والآراء لا دخل لها في صلب الشريعة، فلا ضرورة في حفظها. سلمنا، ولكن ذلك منقوض بالنائب.
وقد يقال بأن وجود المعصوم لو كان ضروريا للأمن من الخطأ لوجب أن يكون في كل قطر بل في كل بلدة، إذ الواحد لا يكفي للجميع بل هو مستحيل بداهة لانتشار المكلفين في الأقطار، والحضور مستحيل عادة، ونصب نائب لا يفيد لجواز الخطأ وعدم إمكان التدارك سيما في الغيبة الكبرى والوقائع اليومية، والإطلاق ممنوع، وعلى تسليمه الإعلام إما برسول ولا عصمة، أو بكتاب والتلبيس جائز. على أن الفهم إنما هو باستعمال قواعد الرأي وضوابط القياس، والكل مظنة الخطأ، فلا يحصل المقصود إلا بنصب معصوم في كل قطر وهو محال.