الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هامش
الفصل السابع في بيان أسلاف الرافضة
اعلم أن أسلاف الرافضة طبقات متعددة.
الطبقة الأولى: المنافقون، ومقتداهم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أخفى اليهودية وأظهر الإسلام، وقد كفّر الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ودعا الناس إلى الرفض، ثم إلى الوصية لعلي بن أبي طالب، كما سبق أول الكتاب. فهو قدوة جميع الرافضة وأسوتهم. ولذا كثرت فيهم خصال اليهود، من الكذب والافتراء وكثرة البهتان وسب العلماء ولعن الصلحاء وفرط العداوة لأهل الحق والنفاق.
أما الكذب: فإن كل يهودي أكذب من مسيلمة، وكذلك الرافضة فإن فيهم من
الكذب ما ليس في غيرهم من الفرق الهالكة. وكان المرتضى الذي لقبوه بعلم الهدى أكثرهم كذبا، وقد سبق أنه ألف بعض الكتب ونسبه إلى امرأة تارة، وإلى يهودي مرة أخرى. وكان شيخه صاحب الرقعة المزورة أكذب منه، ولم يستح هو ولا ابن بابويه من الافتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما الافتراء: فإن اليهود أكثر الناس افتراء، وقد افتروا على عيسى بن مريم وأمه وحواريه ما هم براء عنه.
وأما كثرة البهتان: فإن اليهود أكثر الباهتين. والرافضة توازيهم فيه، فإنهم يفترون على أهل الحق ما لا يحيط به نطاق الحصر.
وأما سب العلماء ولعن الصالحين: فإن اليهود يسبون عيسى روح الله ورسوله وأمه الصديقة وأصحابه البررة ويلعنونهم. وكذا الرافضة يسبون أمهات المؤمنين، والمهاجرين والأنصار من الصحابة الأنصار، وأمير المؤمنين وأولاده الأخيار -كما يجيء إن شاء الله تعالى- ويلعنون بعض كبراء أولاد الأئمة ممن يفترون عليه أنه ادعى الإمامة ولم يكن إماما، وكان الإمام أخاه، كجعفر بن موسى بن جعفر الصادق، الذي لقبوه بالكذاب، وكان من الأولياء الأمجاد ومن كبار علماء أهل البيت، وقد أخذ عنه الطريقة أبو زيد
البسطامي، بعد أن خدمه أكثر من عشرة أعوام. وما اشتهر بين الناس أنه أخذ عن جعفر الصادق فغلط، والصواب ما قدمنا. وكجعفر بن الحسن العسكري، وكان أيضا من عباد الله الصالحين.
وأما فرط العداوة لأهل الحق: فإن اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا. وكذلك الرافضة أشد الناس عداوة للصحابة ولأكثر أمهات المؤمنين وأهل البيت ولجميع أهل السنة.
وأما الأضغان والحقد: فإن اليهود أشد أعداء الله حقدا على المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأمه وحواريه، وعلى خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وأصحابه الأعلام وسائر المسلمين الكرام. وكذلك الروافض، فإنهم أكثر الفرق الهالكة حقدا على أهل الحق وأسلافهم السادة الأمجاد، القامعين بألسنتهم وأسنتهم أهل الزيغ والفساد.
وأما النفاق وإبطان الباطل وإظهار الحق: فإن جمعا من اليهود قبل الإسلام كانوا يبطنون اليهودية ويظهرون النصرانية، ولما ظهر الإسلام كانوا يخفون اليهودية ويظهرون الإسلام، وأكثرهم يظهر من العقائد خلاف ما يبطن. وكذلك الرافضة، فإنهم يبطنون الرفض ويظهرون الحق، فإن التقية عندهم واجبة، وقولهم إن التقية إخفاء الحق وإظهار الباطل، فمنشؤه عمى بصائرهم، ودون
إثباته خرط القتاد. فإن كل منافق يزعم ذلك.
الثانية: القائلون بالحلول، كبنان بن سمعان، وكان من علماء الإمامية.
الثالثة: المجسمة الذين يقولون إن الله تعالى جسم، كالهشامين، وشيطان الطاق، والميثمي، وجماعة أخرى من علماء الإمامية، كما رواه الكليني في الكافي. وكان من هؤلاء القوم من يظهر التشيع ويبطن الكفر كما سبق.
الرابعة: الذين يقولون: إن الله تعالى صورة، كالحكم وابن السالم وصاحب الطاق والميثمي، وغيرهم.
الخامسة: الذين يقولون: إن الله تعالى أجوف إلى السرة والباقي مصمت، كابن
سالم والميثمي.
السادسة: الذين أثبتوا الجهل له تعالى في الأزل، كزرارة بن أعين وبكير بن أعين وابن الحكم وشيطان الطاق وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم، وغيرهم.
السابعة: الذين يقولون: إن صفاته تعالى مخلوقة، كابن أعين وأخيه بكير وجماعة.
الثامنة: الذين يزعمون أن له تعالى مكانا، كالهشامين وصاحب الطاق.
التاسعة: الذين يزعمون أنه تعالى في جهة، كالأحولين وشيطان الطاق والميثمي.
العاشرة: الذين يقولون: إنه تعالى لا يعلم الأشياء إلا بعد تكونها، كزرارة وشيطان الطاق وجماعة.
الحادية عشرة: الذين كانوا يدعون أنهم من خيار شيعة أمير المؤمنين وخلص أحبته ومع ذلك يعصونه ولا يسمعون قوله ولا يجيبون دعوته ويخالفون أمره، وكان أمير المؤمنين لا يصدق قولهم ويشتكي منهم كثيرا، كما يدل عليه كلامه.
فمن ذلك ما كتبه إلى عبد الله بن عباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر: "أما بعد: فإن مصر قد
فتحت، ومحمد بن أبي بكر قد استشهد، فعند الله نحسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا رافعا، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها ومنهم المعتل كاذبا ومنهم القاعد خاذلا، أسأل الله تعالى أن يجعل منهم فرجا عاجلا، فوالله لولا طمعي عند لقاء عدوي في الشهادة وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت ألا ألقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي بهم أبدا".
ومن ذلك قوله في خطبة خطبها حين بلغه أن سفيان بن عوف -من أمراء معاوية- وردت خيله الأنبار وقابل من كان هناك من رعيته: "والله يميت القلب ويجلب الهم ما نرى من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحا لكم وترحا، حين صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم، وتفرون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر، قلتم هذه كحمارة القيظ، أمهلنا يسبخ عنا الحر، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء، قلتم هذه صبارة القر، أمهلنا ينسلخ عنا البرد، كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر،
يا أشباه الرجال ولا رجال، لكم حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم وأعرفكم معرفة".
ومن هذه الخطبة أيضا، "قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهام أنفاسا، فأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! وهل أحد أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذرفت على الستين، لكن لا رأي لمن لا يطاع".
ومن ذلك قوله في خطبة أخرى: "أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، يقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، دفاع ذي الدين المطول".
ومن ذلك قوله في هذه الخطبة أيضا، "المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الباخس، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، وأصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، وما أوعد العدو بكم".
ومن ذلك قوله في خطبة أخرى له في استنفار الناس إلى أهل الشام: "أف لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا عن الآخرة عوضا؟ ومن الذل عن العز خلفا؟ إذا دعوتكم إلى جهاد أعدائكم دارت أعينكم كأنكم، من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، يرتج عليكم حواري فتعمهون وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، ما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم، ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر، بئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم، تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم ولا تمتغضون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون".
ومن ذلك قوله في خطبة أخرى له: "منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم، ما تنتصرون بنصركم ربكم، لا دين يجمعكم، ولا حمية تحميكم، أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون إلي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثار، ولا، يبلغ منكم مرام، دعوتكم إلى نصر إخوانكم، فجرجرتم جرجرة الجمل الأشر وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج منكم جنيد متذائب ضعيف، كأنما. يساقون إلى
الموت وهم ينظرون".
ومن ذلك قوله في ذم أصحابه أيضا: "كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة، والثياب المتداعية، إن حيصت من جانب تهتكت من جانب آخر، وكلما أطل عليكم منسر من مناسير الشام أغلق كل رجل منكم بابه، وانحجر انحجار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها".
ومن ذلك قوله أيضا: "من رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل، إنكم والله لكثير في الباجات، قليل تحت الرايات".
وقد ذكر هذه الخطب صاحب نهج البلاغة في النهج، وكذا غيره من الإمامية وغيرهم.
وقال علي بن موسى بن طاوس سبط محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة: "إن عليا كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة فما أجابه إلا رجل أو رجلان، فتنفس الصعداء وقال: أين يقعان؟ "، ثم قال ابن طاوس:"هؤلاء خذلوه مع اعتقادهم فرض طاعته وأنه صاحب الحق وأن الذين ينازعونه على الباطل، وكان رضي الله تعالى عنه يداريهم ولكن لم تجده المداراة نفعا".
وقد سمع قوما من هؤلاء في مسجد الكوفة ينالون منه ويستخفون به، فأخذ بعضادتي الباب وأنشد قول كثير متمثلا به:
هنيئا مريئا غير داء مخامر
…
لعزة من أعراضنا ما استحلت
يئس منهم حينئذ ودعا عليهم.
الثانية عشرة: الذين دعا عليهم أمير المؤمنين بقوله: "قاتلكم الله".
الثالثة عشرة: الذين ينكرون ما هو الحق عند جماهيرهم في تعيين الإمام وعدد الأئمة، كالناؤسية وغيرهم ممن تقدم ذكرهم.
الرابعة عشرة: الذين نهى الصادق وغيره من الأئمة عن متابعتهم ودعا عليهم وأظهر التبري منهم، كهشام بن الحكم وهشام بن سالم وصاحب الطاق وزرارة، كما رواه الكليني عن غير واحد من الأئمة.
الخامسة عشرة: الكذابون من رواة الآثار، كابن عياش الذي اعترفوا بأنه كذاب، وابن بابويه صاحب الرقعة من المتقدمين، والمرتضى من المتأخرين.
السادسة عشرة: الذين آذوا سبط المصطفى وابن البتول -صلى الله تعالى
على جده وعلى أمه وعليه- بالقول والفعل، وخرجوا عليه، وأخذوا المصلى من تحته، وجنحوا إلى معاوية ونصروه، وحملوه على المحاربة والاستعداد لها، طمعا في الدنيا، وكانوا هؤلاء شيعته وشيعة أبيه، كما ذكر ذلك المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة، وكتب رؤساؤهم إلى معاوية سرا، وحثوه على سرعة المسير نحوهم، وتعهدوا له بالتسليم عند دنوه منهم والفتك بالإمام، كما ذكر في الفصول من كتب الإمامية.
السابعة عشرة: الذين كاتبوا السبط الشهيد الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه وهم أكثر أهل الكوفة، فقد كتبوا إليه كتبا عديدة في توجهه إلى طرفهم، فلما قرب من ديارهم مع الأهل والأقارب والأصحاب وأخذت الأعداء تؤجج نيران الحرب في مقابلته وآل الأمر إلى القتال خانه هؤلاء الفئة الضالة ولم ينصره أحد منهم مع كثرتهم، بل رجع أكثرهم مع الأعداء خوفا وطمعا، وكانوا سببا لشهادته وشهادة كثير ممن معه، وآذوه أكثر ممن آذى الأنبياء من الكفار، حتى مات الأطفال والصبيان الرضع عطشا، وأطافوا أهل البيت النبوي وذوات الخدر من الطاهرات العابدات القانتات في البلاد والقرى والفلوات، إلى غير ذلك من الأمور التي منها السماء تمور والقبائح التي تنكسر أسنان القلم عند ذكرها ويسود وجه القرطاس لدى سطرها.
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في نشر الخلائق تنفخ لابد أن ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الثامنة عشرة: من لا يثبت صانعا ولا يقر بنبوة ولا حشر ولا نشر، ويقع في الإسلام وأهله، كديك الجن ومن تبعه.
التاسعة عشرة: من يظهر الإسلام وهو من النصارى، كزكريا بن إبراهيم النصراني وغيره.
العشرون: من كذبه الصادق، وقال:"إنه يفتري علينا أهل البيت ويروي عنا الأكاذيب" كبيان المكنى بأبي أحمد، وغيره ممن تبعه.
الحادية والعشرون: من لم يوحد الله تعالى، وخالف الأئمة في العقيدة، كهشام بن سالم والميثمي وصاحب الطاق وغيرهم ممن ادعى أنه من خلص أصحاب الأئمة. روى الكليني عن إبراهيم بن محمد الخراز ومحمد بن حسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا
وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: "إن الله تعالى أجوف إلى السرة والباقي صمد"، فخر لله ساجدا ثم قال:"سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك".
الثانية والعشرون: من يروي عن الأئمة في التوحيد ما هم براء عنه، كهشام بن الحكم، يروي عن الباقر والصادق أنه تعالى جسم. روى الكليني عن علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله: "سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم، أن الله تعالى جسم صمدي نوري، معرفته ضرورية، يمن بها على من يشاء من خلقه، فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو! ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، لا يحس ولا يجس ولا يحيط به شيء، وليس بجسم ولا بذي صورة، ولا به تخطيط ولا تحديد".
ومنهم من كذب بعض الأئمة في دعوى الإمامة، كبعض أصحاب الكاظم والرضا. ومنهم غير من ذكرنا مما يطول الكلام باستيفائهم.
فهؤلاء القوم أسلاف الرافضة الذين أخذوا عنهم المذهب. ولم يأخذوه ممن أثنى عليهم الكتاب، وبشرهم ربهم بجزيل الثواب، جنات تجري من تحتها الأنهار، ومقعد صدق في دار القرار، ومدحهم أمير المؤمنين، وقاتلوا معه أعداءه المارقين. فكيف يفلح قوم اتبعوا أرذل الأراذل واقتدوا بالأسافل! فالحذر الحذر ممن ابتدع وكفر! وهؤلاء كلهم أعداء الدين، وإخوان الشياطين، قد انتحلوا الضلال واستحقوا من الله العذاب والنكال، ليسوا بشيعة أهل البيت المطهرين عن الأرجاس، المبرئين عن وصمة الأدناس؛ بل هم جند إبليس اللعين، وخلفاء المفسدين الماردين. وشيعة أهل البيت إنما هم أهل الحق واليقين، الذين نصروا أمير المؤمنين، وأخذوا العلم منه ومن أولاده، أئمة الهدى والكاشفين الردى، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ورزقنا جل ثناؤه في جنات النعيم رؤياهم، بمنه وكرمه وإحسانه ونعمه.