الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع عشر أن إرادة الله تعالى متعلقة بكل كائن
ذهبت الفرق الثمانية من الزيدية والإمامية كلهم، إلا الإسماعيلية النافين للإرادة، إلى أنه تعالى غير مريد لجميع الكائنات، فإنه لا يريد الشر والكفر والمعصية، وقعت أو لم تقع. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة ومن تبعهم من أنه سبحانه مريد للكائنات، من الخير والشر، والنفع والضر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصية. قال تعالى:{ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا} ، {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} ، {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} ، {ولو شاء الله ما أشركوا} ، {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} ، {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه} ، {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه} ، {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} ، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} ، {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء} ، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} ، {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} ، {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}
وغير ذلك من الآيات.
وروى الكليني عن محمد بن [أبي] نصر قال: قلت لأبي الحسن الرضا: "إن لبعض أصحابنا القول بالجبر، وبعضهم يقول بالاستطاعة، فقال لي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال علي بن الحسين: قال الله تعالى: يا ابن آدم، بمشيئتي كنت أنت" إلى آخر الحديث. ولأنه تعالى أخبر أن الذين حرفوا التوراة من أحبار اليهود لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فلو أراد إيمانهم لزم التناقض. ولأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر المتفق عليه أنه قال:"ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن". وروى الكليني وصاحب المحاسن عن علي بن إبراهيم الهاشمي قال: سمعت أبا الحسن موسى يقول: "لا يكون شيء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى"، وروى جمع عن غيره من الأئمة بمعناه. وروى الكليني أيضا عن سليمان بن جلد عن أبي عبد الله قال: "إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده،
وإذا أراد الله بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله"، ثم تلا هذه الآية:{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} . ولأنه سبحانه أمر إبليس أن يسجد لآدم وهو يعلم أنه لا يسجد، فإن أراد منه الطاعة فقد أراد
الممتنع، وأن يقلب علمه جهلا. وروى الكليني أيضا عن ثابت بن عبد الله عن أبي عبد الله ما ينص على أنه تعالى يريد ضلال بعض عباده إرادة حتم، كما سيجيء إن شاء الله تعالى. ولأنه سبحانه لو أراد الإيمان من الكافر وأراد الكفر من الكافر، وأراد الطاعة من العاصي وأراد منه العصيان، وقد صدر الكفر من الكافر والعصيان من العاصي؛ لزم أن لا يحصل مراد الله تعالى، ويحصل مراد الكافر والعاصي؛ فيلزم أن يكون كل منهما غالبا والله تعالى مغلوب، وهو ضروري البطلان. فقد روى الكليني عن الفتح بن زيد الجرجاني عن أبي الحسن ما ينص على أن إرادة العبد لا تغلب إرادة الله تعالى، سواء كانت إرادة عزم أو إرادة حتم. وروى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ما هو ناص على أنه تعالى يريد المعصية من العبد إرادة حتم، فإنه أراد أن يأكل آدم من الشجرة، وأن لا يسجد له إبليس.
وروى عن ثابت بن سعيد ما هو على ذلك أيضا. ولأنه تعالى خلق للعاصي الإرادة والقدرة على خلق أفعاله وجعل له التمكن، كما ذكره المرتضى في درره، فلو أراد بها نفعه وهو يعلم أنه لا ينفعه بل يضره، فذلك عبث وسفه، والله تعالى منزه عن ذلك. ولأن إرادة الممتنع قبيح. ولأنه تعالى أقسم أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، فلو أراد إيمان من يعلم أنه من أصحاب الجحيم فقد أراد أن لا يبر قسمه. ولأنه تعالى لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس، ولم ينظره إلى يوم الوقت المعلوم، ولم يمكنه من الإضلال.
واحتج من خالف أهل الحق بقوله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} والرضا هو الإرادة.
والجواب أنا لا نسلم أن الرضا هو الإرادة، ولو كان كذلك لكان الله تعالى راضيا بكفر جماعة أخبر بأنه يريد ألا يجعل لهم حظا في الآخرة وأنه يريد أن لا يطهر قلوبهم، وهو باطل بالاتفاق؛ ولأن الإرادة تنفك عن الرضا، كإرادة من إرادته تابعة لإرادة غيره وهو يكره المراد، وإرادة الله تعالى تابعة لإرادة العبد، وإن كانت متقدمة عليها، فأحسن التدبر.
واحتجوا أيضا بأنه لو كانت المعصية مرادة لله تعالى لكان الكافر العاصي مطيعا بكفره ومعصيته، لأن الإطاعة تحصيل مراد المطاع.
والجواب أن الإطاعة تحصيل ما أمر به المطاع، لا تحصيل ما أراد سواء كان مرضيا عنده أو لا. ألا ترى أن الله تعالى أمر إبليس بالسجود لآدم ولم يرد، وأمر إبراهيم بذبح ولده ولم يشأ.
واحتجوا أيضا بأن إرادة القبيح قبيح، وكذا ترك إرادة الحسن.
والجواب أن كون كل منهما قبيحا ممنوع، فإنه لا قبح منه تعالى، كما تقدم. وترك إرادة الحسن إذا علم عدم وقوعه حسن، وإرادته قبيح، لأنها عبث.