الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطاعن الثانية في حق الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه
منها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلب قرطاسا ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده منع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم ورد الوحي لأنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، ورد الوحي كفر لقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
والجواب أنا لا نسلم أن جميع ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم عن وحي، لأنه لو كان كذلك لكان كل ما ينطق به مما علمه شديد القوى، وليس بالاتفاق. والآية لا تدل على ذلك، فإن الظاهر أن الضمير عائد إلى القرآن، وإرجاعه إلى كل ما ينطق تعسف، مع أن مجرد الاحتمال يبطل الاستدلال. ولأن الحق الذي اتفق عليه الفرق الإسلامية حتى الإمامية خلاف ذلك كما سيجيء إن شاء الله تعالى. ولأنه لو كان ينطق به عن وحي لم يعاتب على إذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك واتخاذ الأسرى وتحريم ما أحل الله. ولأن قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} ناصّ على أن ليس كل ما ينطق عن وحي، فإنه لو كان الإذن عن وحي لم يقل له {لِمَ أَذِنْتَ} . ولأنهم يعتقدون أن الله تعالى فوّض أمر دينه إليه فحلل ما شاء وحرم ما شاء كما قدمنا ذلك في
مقصد النبوة، فكيف يكون جميع ما يصدر عنه عن وحي؟
روى محمد بن الحنفية عن أبيه قال: قد كان كثر على مارية القبطية أم إبراهيم صلى الله عليه وسلم في ابن عم لها قبطي كان يزورها ويختلف إليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذ هذا السيف وانطلق فإن وجدته عندها فاقتله" فلما أقبلت نحوه علم أني أريده وأتى نخلة فرقى إليها ثم رمى بنفسه على قفاه وشعر برجليه فإذا به أجب أمسح ما له ما للرجال لا قليل ولا كثير، قال: فغمدت السيف ورجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"الحمد لله الذي صرف عنا الرجس أهل البيت". كذا ذكره المرتضى في كتاب الدرر والغرر. فلو كان كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم عن وحي لكان أمره عليا بقتل القبطي عن وحي، ولا يقول به ذو لب. ولأن عليا خالف أمره صلى الله عليه وسلم، فقد روى محمد بن بابويه في الأمالي والديلمي في إرشاد القلوب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة سبعة دراهم وقال لها أعطيها عليا ومريه أن يشتري لأهل بيته طعاما، وقد غلبهم الجوع، فأعطتها عليا وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تبتاع لنا طعاما، فأخذها علي وخرج من بيته ليبتاع طعاما لأهل بيته فسمع رجلا يقول: من يقرض الله الملي الوفي، فأعطاه الدراهم". فقد خالف أمر الرسول وتصرف في مال الغير. ولأن الشريف المرتضى ذكر في الدرر والغرر أن مجرد أمر الرسول لا يقتضي الوجوب. فلذلك راجع النبي صلى الله عليه وسلم مراجعة خفيفة في ذلك حيث قال لمن اختلف من أهل البيت وتنازع في الأمر: حسبكم كتاب الله، ولم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قصدا للتخفيف عليه عند شدة الوجع وقرب الوفاة مع ما غشيه من الكرب من بعد التكلم. وليست المراجعة حكما بخلاف ما أنزل الله.
وقد راجع النبي صلى الله عليه وسلم ربه تسع مرات بإشارة موسى الكليم عليه السلام كما ذكر ابن بابويه في كتاب المعراج.
وراجع موسى ربه: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ} حيث قال: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} ، فلم تكن المراجعة ردا للوحي. ولأن خبر القرطاس كما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس هو أنه اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم جدا فتنازعوا فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يروون عنه فقال:"دعوني ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال نسيتها". وفي رواية: وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال: غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله. وهو يدل على أن أهل البيت اختلفوا في الأمر، وإنما رجح عمر قول من ذهب إلى عدم الاحتياج لما عرف أن الأمر لم يكن جزما منه لأنه لم يبالغ فيه ولم يقل أولا ولا آخرا إن الله أمرني أن أكتب كتابا، فكأنه عليه الصلاة والسلام أمر بالكتابة حين بدى له مصلحة ثم ظهر له أن المصلحة تركه فلم يكرر القول ولم يبالغ فيه ولم ينكر على من رأى أن المصلحة ترك الكتابة، فسكت عنها وأوصاهم بالأمور الثلاثة.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باستشارة الصحابة لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وكان عظماؤهم إذا أمرهم بأمر يراجعونه، فإن كان المأمور به جزما ما أمرهم به ولا تركه برأيهم. وقد راجعه علي حين استخلفه على المدينة فقال:"أتخلفني في النساء والصبيان". ولأنه تعالى قال: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ، فإنه ناص على أنه قد يوافقهم في بعض من الأمر. ولأنه لو كان مأمورا بها من عند الله لأمضاه ولم يلتفت إلى قول من خالفه لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} . ولأن سكوته صلى الله عليه وسلم دال على أنه رضي بما أشار به عمر.
ولأن الإمامية روت أنه صلى الله عليه وسلم رد ما أوحي إليه في غدير خم ولم يأتمر بما أمره ربه، وقد سبق ذلك في مباحث النبوة. ولأنهم رووا عن الأئمة أنهم حكموا بخلاف ما أنزل الله في كثير من الأحكام، وذلك مثل وطئ أمة الغير بإذنه، وقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وليس المحلَّلة زوجة ولا ملك يمين، وكجواز الصلاة مع الثوب المطلخ بدم الجروح والقروح، وقد قال تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، وكروايتهم عن الصادق النهي عن تعليم المرأة مسائل الاحتلام، وكروايتهم عن الكاظم النهي عن تعليم الخلق أصول دينهم، وقد أمر الله بذلك.
هذا وأقول إن لهذا الكلام تتمة لم يذكرها المؤلف، فإن أحببت الوقوف عليها فارجع إلى ترجمة التحفة أو مختصرها.
ومنها أنه قصد إحراق بيت فاطمة.
والجواب أن هذا كذب محض. وقد اختلفت كلمتهم في ذلك فالأكثرون منهم على أنه أحرقه، والآخرون قالوا إنه قصد إحراقه ولم يفعل. وكلا القولين باطل. على أن ذلك لو صح لأفسد عليهم أساس دينهم -أعني التقية- لأنهم زعموا أن ذلك كان بسبب إباء علي عن البيعة، مع أن الواجب عليه بمقتضى ما ذهبوا إليه إظهار البيعة تقية.
ومنها أنه أنكر موته صلى الله عليه وسلم وحلف أنه لم يمت، ولم يدر أن الموت يجوز عليه حتى تلا أبو بكر قوله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} .
والجواب أن إنكار موت شخص في وقت معين لا يستلزم إنكار موته مطلقا. وقوله لما تلا أبو بكر هذه الآية المذكورة كأني لم أسمع هذه الآية لا يدل على عدم علمه بها بل على عدم حضوره، ولأن البشر عند تفاقم أمواج الكرب والأحزام قد يجري على لسانه ما لا يعتقده. ولأن عدم العلم بجواز الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليس بأعظم من عدم العلم بأنه تعالى يعلم السر وأخفى وأنه منزه عن المكان. وقد صح عند هؤلاء القوم أن موسى كليم الله لا يعلم ذلك.
ومنها أنه كان لا يعلم المسائل الشرعية، فأمر برجم امرأة حاملة فقال له أمير المؤمنين: إن كان عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها من سبيل، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر. وأراد أن يرجم مجنونة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يبرأ ويعقل وعن الطفل حتى يحتلم". ولم يعلم أن الميت لا يحد فإنه غير مكلف، وقد ضرب ابنه أبا شحمة حد الزنا ولم يتم مائة جلدة حتى مات فضربه ما بقي بعد موته. ولم يعلم حد
شرب الخمر. وأنه لقن الشهود. فهذه كلها تدل على قلة معرفته.
والجواب عن رجم الحاملة أنه لم يثبت، وعلى ثبوته فلعله لم يعلم بالحمل. وهو وإن كان محتاطا في الأحكام يمكن أن يطرأ عليه ذهول أو نسيان، وقد نسي آدم وموسى وفتاه كما نطق به الكتاب، ونسي النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الكليني وأبو جعفر الطوسي عن أبي عبد الله كما تقدم، وكذا الأئمة كما رواه الطوسي عن [عبيد الله] الحلبي:"أن الإمام أبا عبد الله كان يسهو في صلاته ويقول في سجدة السهو: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وعلى آل محمد". وقوله: "لولا علي لهلك عمر" أراد به ما يعتريه من الحزن والغم بعد العلم بكونها حامل. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل القبطي بمجرد التهمة من غير جرم واحتياط منه في القتل. أو إن عمر علم بالحمل لكنه لم يعلم أنه نفخ فيه الروح، وإذا كان الحمل مضغة أو علقة يجب الحد لعدم الحياة ولا حجة للمنكر. ولأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عليا بإقامة الحد على امرأة حديثة بنفاس فلم يقمه خشية أن تموت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
أحسنت دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد.
وأما إرادة رجم المجنونة فلم يثبت عند أهل السنة. وعلى فرض ثبوته فلعله لم يعلم بجنونها، كما لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بنفاس المرأة، وذلك لسكوتها وفقد أمارات الجنون. وعلى فرض علمه بجنونها يحتمل أن جنونها لم يبلغ إلى درجة المنع من الحد، فلما روى علي الحديث عمل بإطلاقه أو علم أن عليا كان أعلم بها منه. ولأن ابن بابويه القمي روى في فقيه من لا يحضره الفقيه أن عليا كان يأمر بإقامة حد السرقة على الصبي قبل أن يحتلم. وهذا يدل دلالة صريحة بأنه لم يعمل بما رواه وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعمر أراد إقامة الحد على من رفع عنه القلم مرة واحدة مع احتمال الذهول وعدم العلم بالمانع، وعلي أمر بإقامة حد السرقة على كل صبي يسرق وحكم به حكما جازما ومؤبدا مع علمه بكونه لم يحتلم. فلا يسوغ لهم الطعن على عمر في ذلك.
وأما حد الميت فهو أيضا من مفترياتهم. والصحيح أنه ضربه مائة جلدة ومات بعد حين من الحد.
وأما حد شرب الخمر فإنه لم يقدّر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرب الخمر حد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحد شارب الخمر بضرب الجريد
والنعال، وضرب مرة شارب خرم بجريدتين نحو أربعين كما رواه مسلم في صحيحه. ثم جلد أبو بكر أربعين. ثم لما أفضت الخلافة إلى عمر استشار الصحابة في حد الخمر فقال له علي:"أرى أن تجلد ثمانين جلدة"، واتفق على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد صح ذلك عن الإمامية كما ذكره الحلي في منهاج الكرامة.
وأما تلقين الشاهد فكذب أيضا. والصحيح ما ذكره ابن جرير الطبري والإمام البخاري والحافظ عماد الدين بن الأثير والحافظ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي والشيخ شمس الدين المظفر سبط ابن الجوزي في تواريخهم هو: أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة وكان الناس يلقونه فكتبوا إلى عمر أنه زنى بامرأة يقال لها أم جميل وعليه شهود، فأمر أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود، فلما قدموا مجلس عمر فدعا بالمغيرة والشهود فتقدم واحد منهم فقال: رأيته بين فخذيها، فقال عمر: لا والله حتى
تشهد أنك رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم أشهد على ذلك، ثم دعا شاهدا آخر فقال: علام تشهد؟ فقال: على شهادة الأول، فقال: هلا تشهد أنه يولج فيها ولوج المرود في المكحلة؟ قال: نعم حتى بلغ قدره، ثم دعا الشاهد الثالث فقال له: علام تشهد؟ فقال: على شهادة صاحبيّ، ثم دعا الرابع وكان غائبا، فلما حضر قال: ما عندك؟ قال: يا أمير المؤمنين رأيته جالسا ونفسا حسيسا وانتهازا، ورأيته مستبطنها ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: رأيته كالميل في المكحلة؟ فقال: لا، فأمر عمر أن يضرب كل من الشهود ثمانين سوطا. وقد روى ابن بابويه القمي في الفقيه أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين وأقر بالسرقة إقرارا تقطع به يده فلم يقطعها.
ومنها أنه منع عن المغالاة في المهر. فقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن عمر بن الخطاب أمر على المنبر أن لا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكّرته امرأة من جانب المسجد بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ
وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر.
والجواب أنه ليس فيما ذكر طعن على عمر أصلا. وأما تسليمه للمرأة فلم يكن عجزا عن جوابها وإنما كان لمزيد أدبه مع كلام الله تعالى، إذ لا يليق بحال أهل الإيمان أن يصرفوا بإزائه فنون العلم وتوجيهات الجرح وأن يتكلموا بلم، بل لا يستقيم لهم إلا التسليم لظاهر الكلمات. وليس مقصود المرأة من تلاوة هذه الآية إثبات رضاء الله تعالى بمغالاة المهور، وإلا لكان ذلك مخالفا لفهم النبي صلى الله عليه وسلم معاني الكتاب، لأن النهي عن ذلك وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى الخطابي في غريب الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تياسروا في الصداق فإن الرجل يعطي المرأة حتى يبقى في نفسه حسيكة". وروى ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من خير النساء أيسرهن صداقا". وعن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: "يمن المرأة تسهيل أمرها في صداقها". وروى أحمد والبيهقي مرفوعا بإسناد جيد: "أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا". وغاية ما يثبت من الآية جواز المغالاة ولو مع الكراهة، مع ذلك إن الآية ليست نصا في أن هذا القنطار مهر، إذ يحتمل أن يكون عطاء الحلي وغيره لا بطريق المهر، فإن الزوج لا يصح له الرجوع عن هبة زوجته خصوصا إذا أوحشها بالطلاق، والنهي عما يجوز لمصلحة هي نصيحة للمؤمنين في حفظ أموالهم من الإضاعة والإسراف لا شك في جوازه. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا عن طلاق زينب مع أن الطلاق جائز بلا شبهة. وقد نهى علي أهل الكوفة عن تزويج الحسن مع أن التزويج جائز بلا شبهة حيث قال:"يا أهل الكوفة لا تجوزوا الحسن فإنه مطلاق للنساء".
وأما قوله: "كل أحد أعلم من عمر" فإنه من باب التواضع وحسن الخلق، فإنه لو أبطل استنادها بالتوجيهات الحقة لم ترغب بعد ذلك في استنباط المعاني من كتاب الله، فأظهر ذلك استحسانا لها واعترافا بالقصور على نفسه على زعمها ليكون بعد ذلك لها ولغيرها تحريض على تتبع معاني القرآن واستنباط الدقائق منه. وهذه منقبة عظيمة لعمر مخصوصة به. وإلا فأي رئيس ذي اقتدار يرضى أن يكون مغلوبا لامرأة يحضور الأعيان والأكابر؟ فالطعن عليه بهذه القصة من عدم الإنصاف. ولو فرضنا أن عمر لم يتأت له ارتجالا جوابا ما لكنه كان يمكنه أن يقول: اقتلوا هذه المرأة فإني أذكر سنة النبي وهذه الجاهلة تقابلها بالكتاب، ألم يفهم النبي معاني الكتاب كما هي وتفهم هذه المرأة أحسن منه؟
وقد صدر من علي هذه القصة، فقد أخرج ابن جرير وابن عبد البر عن محمد بن كعب قال: سأل رجل عليا عن مسألة فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا، قال علي: أصبت وأخطأنا، وفوق كل ذي علم عليم.
وينبغي أن يعلم أن عمر لو لم يعلم المسألة وفهمها غيره بأحسن وجه لا يسلب لياقة الإمامة كما في قصة داود وسليمان عليهما السلام. فقد روى ابن بابويه في الفقيه عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت أبا الحسن عن قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} قال: حكم داود برقاب الغنم، وفهّم الله سليمان الحكم لصاحب الحرث لينتفع بمنافعها من اللبن والصوف ويدفع الأرض إلى صاحب الغنم ليبذر ويزرع له، فإذا بلغ الحرث كهيئة يوم أكل يدفعه إلى أهله ويأخذ غنمه". ولو فرضنا أن الله تعالى فهم امرأة حكم مسألة واحدة ولم يفهمه عمر لا يضر عمر ذلك كما لم يضر داود في مثل هذه الواقعة.
ومنها أنه منع أهل البيت خمسهم الذي هو سهم ذوي القربى لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} .
والجواب أن الأئمة ليسوا بنص المدعى لاحتمال أنهم مصارفه لا على سبيل الاستحقاق، فجاز الاقتصار على صنف واحد. وقد ذهب الإمامية إلى أنه يجوز أن يخص بالخمس طائفة، نص عليه أبو القاسم الملقب عندهم بالمحقق صاحب الشرائع والأحكام وغيره، ومستنده ما روي عن الأئمة الكرام. ولأن أمير المؤمنين لم يخالفه في قسمة
الخمس. وقد ثبت أنه خالف عمر وغيره من الخلفاء في مسائل توافق رأيه. وقد أخرج الطحاوي والدارقطني عن محمد بن إسحاق أنه قال: "سألت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب لما ولي أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك به والله مسلك أبي بكر وعمر". وزاد الطحاوي: "فقلت فكيف أنتم تقولون ما تقولون؟ فقال: والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه". ولأن رواية المنع معارضة برواية الإعطاء. فقد أخرج أبو داود عن [عبد الرحمن] بن أبي ليلى عن علي: "أن أبا بكر وعمر قسما سهما لذوي القربى". وأخرج أبو داود أيضا عن جرير بن مطعم: "أن عمر كان يعطي ذوي القربى خمسهم". ولأنه لم يرو أحد أن عمر منع جميع ذوي القربى حقهم، فلعله منع من له
ثروة وصرفه إلى من هو دونهم. ولا محذور في ذلك.
ومنها أنه أحدث في الدين ما لم يكن منه كصلاة التراويح.
والجواب أن صلاة التراويح لم تكن محدثة، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ليال من رمضان جماعة، ولم يجرها مجرى سائر النوافل كما رواه أبو داود والترمذي وصححه وأحمد والنسائي وابن ماجه عن أبي ذر، ولكن لم يواظب عليها، وبيّن العذر في تركه المواظبة على ذلك بقوله:"إني خشيت أن تفرض عليكم" لما أخرج البخاري ومسلم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم "صلى في المسجد وصلى بصلاته ناس، ثم صلى صلى الله عليه وسلم من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي [صنعتم] فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت [أن تفرض] عليكم»، وذلك في رمضان". وقد نبه على العلة لتشعر بثبوت الحكم عند ارتفاعها، فهي سنة وليست ببدعة. وقول عمر:"نعمت البدعة هي" فإنما أراد بها معناها اللغوي، وهو المحدث، لأنها اسم من الابتداع بمعنى الإحداث كالرفعة من الارتفاع، وعنى بها المواظبة على الجماعة. ولأن البدعة هي ما أحدث في الدين وليس له أصل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وسنة الخلفاء الراشدين ليست من البدعة في شيء لقوله عليه الصلاة والسلام: «من عيش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» أخرجه الترمذي وابن ماجه عن العرباض بن سارية. فإنه ناص على أن فعل الخلفاء ليس من البدعة. وكذا إجماع الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع على ضلالة". وقد سبق أن الأئمة أحدثوا صلاة الغدير وصلاة النيروز وصلاة يوم وفاة عمر، وغير ذلك مما هو مذكور في كتبهم. فكيف يطعنون على عمر في ذلك؟
ومنها أنه قضى في الجد مائة قضية.
والجواب أن هذا لا أصل له، بل هو من مفترياتهم. وعلى فرض التسليم إنا لا نسلم أن الحد الذي قضى فيه قد قدّر له عدد معين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمدعي مطالب بالدليل. وقد ذكر غير واحد من الإمامية أنه قضى في حد الخمر، فلا طعن حينئذ، لأن حده لم يكن مقدرا في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام كما سبق، ولأنه يحتمل أن تكون الزيادة على الثمانين لأمر آخر كما زاد على الثمانين حين أتي بالنجاشي الحارثي الشاعر قد شرب الخمر في رمضان، كما رواه محمد بن بابويه القمي في فقه من لا يحضره الفقيه.
ومنها أنه نهى عن متعة النساء ومتعة الحج، وقد كانتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنسخ حكم الله وحرم ما أحل الله.
والجواب أن نهيه عن متعة النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها نهيا مؤبدا يوم أوطاس. فقد أخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه قال: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة [عام] أوطاس ثلاثا ثم نهى عنها". وإنما رخص للمضطرين من العسكر لا جميع المسلمين، كما رخص للزبير لبس الحرير لدفع تولد القمل، ثم نهاهم نهيا مؤبدا. وأخرج أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال:«قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا» . وروى مالك وجماعة من المحدثين عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة". وتحريمها بعد أن كان أمر بها، فمن بلغه النهي انتهى عنها، ومن لم يبلغه النهي كان يقول
بالإباحة، فلما علم ذلك عمر في إبان خلافته نهى عنها وبالغ في النهي. ولأن الله تعالى لم يحل للرجال من النساء إلا الزوجة والسرية. قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، وهذه الآية نص على حرمة المتعة لأن المرأة التي في عقد المتعة ليست من الأزواج لما رواه أبو بصير عن الصادق: أنه سئل عن المتعة أهي من الأربع؟ قال: "لا ولا من السبعين". ولانتفاء أحكام الزوجة عنها من العدة والإيلاء والظهار والإحصان واللعان والإرث، ولا هي من ملك اليمين، وهو ظاهر. ولأن الاستمتاع بالنساء إنما يحل إذا صار الزوج محصنا لقوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} والمتمتع ليس بمحصن.
واستدلوا على إباحة المتعة بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وذلك من وجهين: الأول أنه لو لم تحمل عليها لزم أن لا يجب شيء من المهر على من لا ينتفع من الزوجة الدائمة لأنه تعالى علق إيتاء الأجر بالاستمتاع فلا يجب بدونه، وهو خلاف الإجماع فإن الإجماع على أنه لو طلقها قبل أن يمسها يلزم نصف المهر وإلا لزم المهر. الثاني أن المتعة بمعنى العقد المؤقت حقيقة شرعية وفي غيره مجاز، فلو حمل على غير المتعة لزم المجاز ولا يصار إليه من غير ضرورة.
والجواب عن الأول أن الآية إذا دلت على عدم لزوم شيء من المهر فيما ذكر لا يضر لأن
النصف إنما ثبت بالسنة والإجماع ولأنه سبحانه علق إيتاء الأجر بالاستمتاع، والنصف ليس بأجر لأن الأجر بأداء العمل. وعن الثاني أنا لا نسلم أن المتعة حقيقة شرعية فيما ذكر لاحتمال أن تكون حقيقة لغوية أو عرفية، وإنما يثبت ذلك لو ثبت أن هذا العقد لم يكن في الجاهلية أو كان ولم يكن مسمى بهذا اللفظ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد. ولأن المراد بالنساء الزوجات، ومن التمتع التمتع بالوطئ بالنكاح، فإن [ذلك] مسوق لبيان ما أحل من النساء وإيتاء ما فرض لهن من مهورهن أو بملك اليمين وما حرم منهن، ولأن قوله تعالى:{مِنْهُنَّ} نص على أن المراد بالاستمتاع الوطئ بالنكاح دون المتعة، فإن المتمتع ليس بمحصن. قال البهائي في كتابه المسمى بوسائل الشيعة:"إن من تمتع لا يكون محصنا ومن تزوج أو وطأ بملك اليمين يكون محصنا". واستدل على ذلك برواياته عن أهل البيت وأطال الكلام في ذلك، فلا يجوز أن يستدلوا على الإباحة ولا يجوز حمل الإحصان على التعفف لأن الإحصان لفظ شرعي معناه تحصين النفس عن الوقوع في الزنا.
واستدلوا على الإباحة أيضا بما في مصحف مسعود: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} "إلى أجل مسمى". وكان ابن عباس يقرأ كذلك وكذا أبي بن كعب.
والجواب أن هذه القراءة غير ثابتة عند أهل السنة. ولو سلمنا ثبوتها فهي قراءة منسوخة وهي لا تستعمل في إثبات الأحكام مع كون القراءة المشهورة بل المتواترة تخالفها. ولو سلمنا ذلك لا نسلم دلالتها على المتعة أيضا لأن لفظ "إلى أجل مسمى" متعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد، والمدة المتعينة في المتعة إنما تكون بنفس العقد لا بالاستمتاع.
وأما ما يحكى عن عبد الله بن عباس في المتعة من إباحتها عند الاضطرار فقد رجع عنه كما ورد في روايات صحيحة منها ما رواه ابن النحاس عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس: "إنك رجل تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة". وكان هذا هو السبب لرجوع ابن عباس عن القول بإباحتها إلى القول بأنها منسوخة. وأخرج الطبراني والطيالسي عن سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: لا أفتي بحل المتعة، أتدري ما صنعت ربما أفتيت فسارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء، قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:
قد قال لي الشيخ لما طال مجلسه
…
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة
…
تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت منها إلا ما أحله الله من الميتة والدم ولحم الخنزير. وأخرج البيهقي من طريق ابن شهاب الزهري قال:"ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا". وروى الترمذي عن ابن عباس قال: "إنما المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى إذا نزل قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال ابن عباس: كل فرج سواهما فهو حرام.
هذا والمتعة التي تزعم الرافضة إباحتها هي أن يقول الرجل للمرأة: متعيني بنفسك مدة كذا بكذا، وتقول المرأة: قبلت، من غير حضور شهود. وهي التي أباحها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عند الضرورة ثم نهى عنها نهيا مؤبدا مؤكدا. ولو قال لها متعيني بنفسك بكذا وذكر قدرا من المال بحضور الشهود وقبلت المرأة ثم قال: إذا مضت مدة كذا فأنت علي حرام أو أنت طالق، صح عند أبي حنيفة وغيره من الفقهاء. وكذا لو وكلته امرأة بأن يزوجها من نفسه بمحضر من الشهود: وكلتني فلانة بأن أزوجها من نفسي فزوجتها من نفسي على صداق كذا وإذا مضى شهر فهي علي حرام وكان كفؤا له صح النكاح عند الحنفية خلافا لزفر، وإذا مضى الشهر حرمت المرأة عليه. وكذا لو قال زوجت نفسي من موكلتي وجعلت أمرها بيدي صح عند الحاكم الشهيد، كما ذكره في المنتقى، وكذا عند الخصاف. قال شمس الأئمة الحلواني: لا يجوز عند مشائخنا ومشائخ بلخ ما لم يذكر اسمها.
وأما متعة الحج، أعني تأدية أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته، فعمر لم يمنعها قط. ورواية منعها عنه افتراء صريح. نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القِران، أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي وسفيان الثوري وإسحاق بن راهويه وغيرهم لقوله
تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} . فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص. ولأنه صلى الله عليه وسلم حج في حجة الوداع مفردا، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة الجعرانة كذلك ولم يحج فيها، بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.
وأما ما رووا من قول عمر: "وأنا أنهى عنهما" فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} إلا أن يحكم عليهم الحاكم أو السلطان ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فالإضافة إضافة مجاز والمراد أنا أظهر النهي، كما يقال نهى الشافعي عن شرب كل مسكر قليلا كان أو كثيرا. والإضافة لأدنى ملابسة شائعة. على أنه صح عند الإمامية أن الأئمة أباحوا التحليل ففسخوا حكم الله وحللوا ما أحل الله.