الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس في أن الإمامة لا تنحصر في عدد معين
ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة اثنا عشر رجلا. وزعمت النصيرية أن الأئمة ثلاثة عشر. واستدل كل حزب منهم على مدعاه بشبه واهية ودلائل باطلة.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة من عدم الانحصار في عدد معين وأن الشارع لم يعينهم.
وما رواه البخاري بإسناده إلى جابر بن سمرة قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يكون بعدي اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، وقال أبي إنه قال: كلهم من قريش" وما رواه أيضا في صحيحه بإسناده إلى ابن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا. ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال كلهم من قريش". (1) وروى ذلك مسلم في صحيحه برواية سماك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أمر الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم يفهمها الرواي فسأل عنها من سمع الحديث فقال: كلهم من قريش" - فلا تفيد الرافضة شيئا، إذ لا يصح حمل الخلفاء على أهل البيت الاثني عشر لتصريح
(1)[بل أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة]
النبي صلى الله عليه وسلم فيها بأن أمر الإسلام يكون عزيزا في أيامهم، ومعلوم عند كل أحد أن أهل البيت -ما عدا علي بن أبي طالب- زعم الرافضة أنهم لم يزالوا خائفين، وكذلك أتباعهم في أيامهم. فأين عزة الإسلام كانت في وقتهم حتى يكونوا هم الخلفاء؟ كيف وقد أطبق الرافضة على أن أمر الإسلام كان في أيامهم خفيا وأن الأئمة أنفسهم كانوا يستترون في أمور دينهم بالتقية. نعم، عزة الإسلام كانت في أيام من ذكره أهل السنة على ما سيجيء، إذ من المعلوم لكل أحد أنهم كانوا يقيمون الحدود ويصلون الجمع والجماعات ويجاهدون الكفار لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله ولا يخافون في ذلك لومة لائم ولا قتال مقاتل.
والأحاديث المذكورة لا تدل عند أهل السنة على انحصار الأئمة في عدد معين، بل قالوا إنها دلت على أن قوة الدين وعزة الإسلام والنصرة على الأعداء واستقامة أمور الأئمة يكون في زمان اثني عشر خليفة موصوفين بوصفين، أحدهما كونهم من قريش وثانيهما كونهم تجتمع عليهم الأمة كلهم. ثم اختلفوا في عددهم. فقال بعضهم: هم الخلفاء الأربعة بدليل أن أبا بكر عد منهم، فقد روى أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يكون خلفي اثنا عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلا قليلا .. " الخ.
فهذا الحديث يدل على أن أول الاثني عشر هو أبو بكر. ثم معاوية فإنه قرشي وقد اجتمعت عليه الأمة عندما نزل له الحسن عن الخلافة. ثم عبد الله بن الزبير فإنه اجتمع عليه الناس بعد موت يزيد إلا بعض بني أمية، حتى إن مروان بن الحكم همّ بالقدوم عليه ليبايعه فمنعه أقاربه وبايعوه. ثم عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير اجتمع عليه الناس. ثم أولاده الأربعة، وتخلل بينهم عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء أحد عشر. ثم ولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك لما مات عمه هشام نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه. ثم لم تتفق الكلمة إلى يومنا هذا لوقوع الفتن بين من بقي من بني أمية وبني العباس، حتى خرج المغرب الأقصى عن طاعة بني العباس بتغلب المروانيين على الأندلس إلى أن تسمّوا بالخلافة. ثم استولى العبيديون على المغرب ومصر. واختلت كلمة بني العباس واستضعفوا، ولم يبق من الخلافة إلا الاسم. ثم كثرت الملوك في الأقطار كما هو مشتهر الآن اشتهار الشمس في رابعة النهار. والثاني عشر المهدي الموعود. وهذا الوجه هو الذي ارتضاه المحققون من محدثي أهل السنة والجماعة. وقال بعضهم غير ذلك.