الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس في أن لله تعالى صفات ثبوتية أزلية
ذهبت الرافضة إلى أن ليس لله تعالى صفة، فلا حياة له ولا قدرة ولا علم ولا سمع ولا بصر، بل هو حي لا حياة له، وقادر لا قدرة له، وعالم لا علم له، وسميع لا سمع له، وبصير لا بصر له. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة من أن له سبحانه صفات أزلية ثبوتية، وهي العلم والحياة والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام، وزادت الحنفية التكوين، والأشعرية البقاء. فإن النصوص دالة على وجود العلم والقدرة لقوله سبحانه:{أنزله بعلمه} ، {ولا يحيطون بشيء من علمه} ، {إنما أنزل بعلم الله} ، {أن القوة لله} ، {هو الرزاق ذو القوة المتين} ولأن كل من هو عالم فله علم، إذ لا يعقل من العالم إلا ذلك، وكذا القادر وغيره.
واحتجت الرافضة على مدعاهم بأنه لو كان له صفة فلا يخلو إما أن تكون قديمة أو حادثة؛ فعلى الأول يلزم تعدد القدماء، وهو ينافي التوحيد، وقد كفرت النصارى القائلين بتعدد القدماء، وعلى الثاني يلزم قيام الحوادث بذاته تعالى، وخلوه في الأزل من صفات الكمال. والجواب أن تعدد القدماء إنما ينافي التوحيد لو كانت ذواتا قديمة مستقلة بالألوهية، وله صفات وقدمها لقدم الذات، فلا ينافي التوحيد. وإن ما كفرت النصارى لأنهم افترقوا ثلاث فرق، فقالت فرقة: إن الله هو المسيح بن مريم، وقالت فرقة: الآلهة ثلاثة، وقالت فرقة: الإله اثنان، كما نص عليه الكتاب العزيز، ثم بعد ظهور الملة الحنيفية اتفقوا على أن الله تعالى هو جوهر واحد له أقانيم ثلاثة، يعنون بها الصفات، وهي الوجود والعلم والحياة، المعبر عنها بالأب والابن وروح القدس، ومثلوه بالسراج، وأن أقنوم العلم اتحد بجسد عيسى، وتدرعت بناسوته، ثم افترقوا على
ثلاث فرق: الملكانية والنسطورية واليعقوبية. فقالت النسطورية: تدرعت بطريق الإشراق كما تشرق الشمس من الكوة على شيء. وقالت الملكانية: تدرعت بطريق الامتزاج كالراح والماء. وقالت اليعقوبية: بطريق الانقلاب حتى صار الإله هو المسيح بن مريم، ومن هؤلاء من زعم أنه تركب اللاهوت والناسوت كالنفس من البدن، واتفقوا على أن كل أقنوم أزلي قائم بنفسه، وقد ينتقل وينزل. وقد استدلوا على ذلك بما في الإصحاح الخامس من إنجيل متى والأول من
إنجيل مرقص والتاسع من إنجيل لوقا والثامن من إنجيل يوحنا أن يوحنا بن دخرما قال: "إن روح القدس بصورة الحمامة نزل من السماء وحل في اليسوع". وكل ذلك كفر صريح، ولأن التعدد إنما يلزم لو تغاير الذات مع الصفات، والصفات بعضها مع بعض آخر؛ وليس كذلك، فإن الصفات ليست عين الذات ولا غيرها، وكذا الصفات بعضها من بعض. وليس هذا رفع للنقيضين لأن المراد بها أنها ليست عين الذات بحسب المفهوم، ولا غيرها بحسب الوجود، كما في سائر المحمولات، ولا يختص هذا بالمشتقات المحمولة على الذوات، بل يوجد في مباديها أيضا، فإن الوجود ليس عين الماهية فهو ما ولا غيرها ذاتا.