الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر في بيان احتجاج الرافضة بالأخبار التي لا يجوز الاحتجاج بها
اعلم أن جميع فرق الرافضة كانوا يعملون بما رواه أصحابهم من تحقيق أحوال رجال الإسناد، واستمر ذلك بينهم، ولم يكن لهم كتاب في أحوال الرجال وذكر الجرح والتعديل، حتى ألف الكشي من الاثني عشرية في المائة الرابعة كتابا في ذلك في غاية الاختصار، ليس فيه فائدة. وقد أورد فيه ما تعارضت الأخبار في الجرح والتعديل من غير ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فاشتبه حالهم، وقد وقع ذلك لكثير من أكابر رواة القوم.
ثم صنف من جاء بعده في الضعفاء كابن الغضائري، وفي الجرح والتعديل كالنجاشي وأبي جعفر الطوسي وجمال الدين أحمد بن طاوس وابن المطهر وتقي الدين بن داود. ولكنهم أهملوا كثيرا من ذلك وأغفلوا عن توجيه ما ورد في الجرح والتعديل، ولا سيما عند تعارض الأخبار فيهما. واختلفوا في ترجيح أحد الخبرين على الآخر اختلافا كثيرا. ولهذا منع صاحب الدراية تعليلهم. وكثيرا ما يتفق لهم التعديل بما لا يصلح تعديلا، كما لا يخفى على من طالع كتبهم، ولا سيما "خلاصة الأقوال"، التي هي الخلاصة في علم الرجال.
وقد صحف علماء الرجال منهم كثيرا من الأسماء، فاشتبه أمر الخبر، وذلك كتصحيف أبي نصير بالنون بأبي بصير بالباء الموحدة، ومراجم بالراء المهملة والجيم
بمزاحم بالزاء المعجمة والحاء المهملة. فلا يتميز من تقبل روايته ممن لا تقبل. وقد صحف ابن المطهر في كتب الرجال كثيرا من الأسماء، ومن أراد الإطلاع عليها فليراجع الخلاصة لابن المطهر وإيضاح الاشتباه، لينظر ما بينهما من الاختلاف. وقد نبه ابن داود على كثير من ذلك. ومع هذا لا يرتفع الاشتباه بما ذكره لاحتمال خطأ المخطّئ، كيف لا ولم يأت بحجة قاطعة؟
وتساهل الأخباريون منهم في الإسناد، فلم يلتفتوا إلى تعيين المتفق والمفترق، فرووا عن رجل اتفق اسمه واسم أبيه فصاعد مع اسم راو آخر واسم أبيه كذلك، فلا يتميز حينئذ الثقة من غيره. فقد رووا عن محمد بن قيس؛ وهو مشترك بين أربعة: اثنان منهم ثقتان عندهم، وهما محمد بن قيس الأسدي المكنى بأبي [عبد الله مولى لبني] نصر ومحمد بن قيس البجلي المكنى بأبي عبد الله، وواحد منهم ممدوح من غير توثيق، وهو محمد بن قيس الأسدي المكنى بأبي أحمد، وقد روى عنه ابن بابويه كثيرا وأطلق الرواية، وواحد منهم غير ممدوح.
وقد عمل أكثر الشيعة برواية غير العدل لأمر عارض، وهو الشهرة؛ مع أن عدالة الراوي شرط في العمل بالخبر، ومن العجيب أنهم يعملون بالضعيف ولا يعملون بالموثق مع أنه دونه! ويعللون ترك العمل ببعض الأخبار بأنه موثق. مثل ما رواه السكوني عن أبي عبد الله قال: قال أمير المؤمنين: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا علي، لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه، وايم الله لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه
الشمس وغربت، ولك ولاءه يا علي"، فإنه موثق ولم يعملوا به لكونه موثقا. ويعملون برواية من خالفهم في الاعتقاد من الرافضة. ويعملون بمراسيل ابن عمير، ويدعون العلم بكونه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا ادعاء محض وهو بعيد عن الحق بمعزل؛ لأن مستند العلم إما الاستقراء لمراسيله، حيث تتبعوها فوجدوا المحذوف ثقة، أو حسن الظن في أنه لا يرسل إلا عن ثقة، وعلى كل تقدير لا يصير حجة كمراسيل غيره؛ أما على الأول فلأن الاستقراء ممنوع، ولم يذكروا ما استقرؤا من مراسيله، ولو سلم فهو غير تام، والمدعي مطالب بالبرهان، وظاهر كلام القوم في قبول مراسيل ابن أبي عمير هذا المعنى، ودون إثباته خرط القتاد. وقد نازعهم صاحب البشرى منهم ومنع الدعوى، وكذا بعض المحققين من المتأخرين ومن تبعه. ومع ذلك فلا وجه له في الإرسال وقد نهى عنه الإمام أبو عبد الله وسمى المرسل كائنا من كان كاذبا، كما رواه الكليني - كما سيجيء إن شاء الله تعالى - والكاذب لا تقبل روايته من غير نكير. وأما على الثاني فلأنه غير كاف شرعا في
الاعتماد عليه، نص عليه صاحب الدراية في شرحها.
وأما الثالث فلأن مرجعه إلى شهادته بعدالة الراوي المجهول، وإثباته صعب، ولم يرو أحد منهم أنه سئل عنه فأجاب بذلك، ولو سلم فلا يكفي ذلك في العمل بروايته، لأنه لا بد له من تعيينه وتسميته، لينظر في أمره، هل أطلق علماء الرجال عليه التعديل أو تعارض كلامهم فيه أو لم يذكروا فيه شيئا من الجرح والتعديل، لأنه لا بد من البحث عن حال الرواة على وجه يظهر عدم الأربعة: من الجرح والتعديل وتعارض الأمرين والسكوت عنهما، فلا حجة في الإرسال، وارتكابه منهي عنه، ومرتكب المنهي عنه فاسق، وقد شهد الصادق بأنه كاذب، فابن أبي عمير الذي يرسل كثيرا فاسق كاذب مصر على الكذب والفسق، فلا تقبل روايته. وعملوا أيضا بمراسيل النضيري وعبد الله بن مغيرة. وكان المتقدمون منهم يعملون بالخبر الضعيف مطلقا من غير تعرض لبيان ضعفه، والمتأخرون منهم عملوا به اقتداء بمتقدميهم، وذلك مثل الخبر الذي رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله أنه سئل عن الصبي تزوج الصبية هل يتوارثان؟ فقال:"إن كان أبوهما زوجاهما نعم". فإن في طريقه القاسم بن سلمان، وهو مجهول العدالة،
ومع ذلك فقد عملوا به لعمل أصحابهم المتقدمين به. قال أبو جعفر الطوسي شيخ الطائفة: إن خبر الفاسق بعمل الجوارح يعمل بحديثه، والمجهول دونه. وتبعه على ذلك من جاء بعده. وهذا باطل لقوله تعالى:{إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} والشهرة لا تكفي في الخبر الضعيف، وقد نص عليه سديد الدين محمود الحمصي، ورضي الدين طاووس وزين الدين صاحب الدراية.
وجوز الأكثرون منهم العمل بالخبر الضعيف في القصص وبكثير من الأخبار، من
غير التفات إلى الصحة وعدمها، إذا تلقته الإمامية بالقبول، كخبر عمرو بن حنظلة في المتخاصمين من أصحابهم وأمرهما بالرجوع إلى رجل منهم، وهو خبر ضعيف جدا لأن في طريقه محمد بن عيسى وداود بن حصين، وهما ضعيفان، وعمرو بن حنظلة مسكوت عنه، وقد قبلوا خبره وعملوا بموجبه وسموا هذا النوع من الخبر مقبولا. وكثير في كتبهم مثل ذلك، وقد اعترف به المقتول في شرح الدراية.
وعمل شيخ الطائفة ومن تبعه بالخبر المضطرب، وهو ما يرويه الرواة بوجهين مختلفين، من غير ترجيح أحد الوجهين على الآخر، مع اعترافهم بأن الاضطراب يمنع من العمل بمضمون الخبر. والعجب من الشيعة حيث إنهم بالغوا في ضبط الكليني وامتيازه على من عداه، مع أنه كان يخبط خبط عشواء ويعمل بما دعاه إليه هواه على ما لا يخفى على المتتبع.
وقد جوزت الإمامية الكذب لنصرة مذهبهم ورواجه، وقد ألف المرتضى الذي
لقبوه بعلم الهدى كتابا لإثبات مذهبه وإبطال مذهب أهل السنة، مشحونة بالأكاذيب؛ وقد عزا بعضها إلى ذمي وبعضها إلى جارية. وألف بعضهم كتابا في وفيات الأعيان وحكى فيه حكايات افتراها على أكابر أهل السنة تنبئ بأنهم كانوا شيعة، وهي محض كذب، وقد اعترف بذلك بعض علماء الشيعة. وكذا ألف مثل ذلك ابن بابويه وابن المطهر وابنه وغيرهم.
وجوزت الخطابية من الروافض وضع الحديث لنصرة المذهب، وقد وضع بعض علماء الغلاة كأبي خطاب ويونس بن طيبان ويزيد بن الصايغ أخبارا كثيرة، صرح بذلك صاحب تحفة القاصدين في اصطلاح المحدثين.
ومن الغلاة الوضاعين بيان النهدي الذي كان من شيوخ الإمامية ومجتهديهم وزنادقتهم، ومغيرة بن سعيد وكان شيخا من مشايخ الروافض بالكوفة؛ وقد قتلهما خالد بن عبد الله القسري وأحرقهما في النار. فتبا لقوم أخذوا مذاهبهم من أناس ارتدوا بلباس الفسوق والأرجاس، لا يستحون من الكذب والافتراء، ولا يبالون من الكلمة العوراء. فيا ويلهم من الله الذي لا يفوته شيء ولا يخفاه.