الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق
وذلك بإجماع المسلمين. وقد تفردت الشيعة بإنكار ذلك، وقالوا الإمامة كذلك لعلي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه، وعند أهل الحق له بعد الثلاثة، ثم لابنه الحسن رضي الله تعالى عنه، والصلح لمصالح رآها وهو اللائق بذاته الكريمة، لا لخوف من جند كما افترى [المفترون]. إذ قد ورد في كتب الشيعة خطبة يقول فيها:«إنما فعلت ما فعلت إشفاقا عليكم» وقد ثبت في أخرى أوردها المرتضى وصاحب الفصول أنه قال لما انبرم الصلح بينه وبين معاوية، وصلح الحسن وقع سنة إحدى وأربعين في نصف جمادى الأولى:«إن معاوية قد نازعني حقا لي دونه، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة. وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم» . وما ذكره صاحب الفصول وغيره أنه كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية سرا وضمنوا تسليم الحسن إليه فهو من مفتريات الشيعة.
وأيضا ذكر صاحب الفصول وغيره عن أبي مخنف أنه كان يقول الحسين في
صلح أخيه الحسن مع معاوية: «لو جزّ أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي» . أننسى أن الضرورات تبيح المحظورات. ثم إظهار الكراهة لخلاف المصلحة المعقولة للكاره لا تكون قبيحة. وأيضا الاختلاف بين أكابر الدين في المصالح المنجر إلى عدم الرضا لا يقدح في أحد الجانبين. فليحفظ وليفهم.
ثم لا يغتر بما تقوله أهل الزور على أهل السنة من أنهم يقولون بخلافة معاوية بعد الشهيد، حاشا وكلا. بل هم يقولون بصحة خلافته بعد صلح الحسن، إلا أنه غير راشد. والراشدون هم الخمسة، بل قالوا إنه باغ.
فإن قلت إذا ثبت بغيه لم لا يجوز لعنه؟ جوابه: إن أهل السنة لا يجوزون لعن مرتكب الكبيرة مطلقا، فعلى هذا لا تخصيص بالباغي لأنه مرتكب كبيرة أيضا، ومرتكب الكبيرة مؤمن لدى الفريقين، على أنه إذا كان باغيا بلا دليل. وأما كان بغيه بالاجتهاد ولو فاسد فلا إثم عليه فضلا عن الكبيرة. ويشهد لهم قوله تعالى:{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} . والأمر بالشيء نهي عن ضده عند الإمامية، فالنهي عن اللعن واضح.
نعم ورد اللعن في الوصف في حق أهل الكبائر، مثل قوله تعالى:{ألا لعنة الله على الظالمين} وقوله تعالى: {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} لكن هذا اللعن بالحقيقة على الوصف لا على صاحبه. ولو فرض عليه يكون وجود الإيمان مانعا والمانع مقدم [كما هو] عند الشيعة. وأيضا وجود العلة مع المانع لا يكون مقتضيا، فاللعن لا يكون مترتبا على وجود
الصفة حتى يرتفع الإيمان المانع. وقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا إنك رءوف رحيم} نص في طلب المغفرة وترك العداوة بحيث جعل مرتبا على الإيمان من غير تقييد. ويشهد لهم ما تواتر عن الأمير من نهي لعن أهل الشام.
قالت الشيعة: النهي لتهذيب الأخلاق وتحسين الكلام كما يدل قوله في هذا المقام: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين» . وأهل السنة يقولون هو مكروه للإمام فينبغي كراهته لنا وعدم محبوبيته وجعله قربة وإن لم نعلم وجه الكراهة.
وأيضا روي في نهج البلاغة عنه رضي الله تعالى عنه ما يدل صراحة على المقصود، وهو أنه لما سمع لعن أهل الشام خطب وقال:«إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة والتأويل» . فإذا صحت الروايتان في كتب الإمامية حملنا أن الأولى في حق من كان يلعنهم بالوصف وهو جائز لا مطلقا بل لمن يبلغ الشريعة كالأنبياء، إذ قد يستعمل لبيان قباحة تلك الصفات، وأما الغير في حقه مكروه، لأنه لو اعتاده لخشي في حق من ليس أهلا له؛ وأن الثانية في حق من كان يلعن أهل الشام بتعيين الأشخاص غافلا عن منع الإيمان، فأعملنا الروايتين لأن الأصل في الدلائل الإعمال دون الإهمال.
وقال بعض علماء الشيعة: البغي غير موجب للعن على قاعدتنا، لأن الباغي آثم، لكن هذا الحكم مخصوص بغير المحارب للأمير، وأما هو فكافر عندنا بدليل حديث متفق عليه عند الفريقين أنه صلى الله عليه وسلم قال للأمير:«حربك حربي» وأنه قال لأهل العباء: «أنا سلم لمن سالمتم حرب لمن حاربتم» وحرب الرسول كفر بلا شبهة،