الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن عشر في بيان أحوال كتب أحاديث الشيعة
اعلم أنه ليس لفرق الشيعة كتاب في الأخبار إلا بعرف الإمامية، ولهم كتب كثيرة كما تقدم، وزعموا أن أصح كتبهم أربعة: الكافي، وفقه من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار. وزعموا أن العمل بما في الكتب الأربعة من الأخبار واجب، وكذا بما رواه الإمامي ودونه أصحاب الأخبار منهم. نص عليه المرتضى وأبو جعفر الطوسي وفخر الدين الملقب عندهم بالمحقق الحلي؛ وهو باطل لأنها أخبار آحاد. وأصحها الكافي. وقالت جماعة: أصحها فقه من لا يحضره الفقيه. وقال بعض المتأخرين الناقد لكلام المتقدمين: أحسن ما جمع من الأصول كتاب الكافي للكليني والتهذيب والاستبصار، وكتاب من لا يحضره الفقيه حسن.
وما زعموا من صحتها باطل؛ لأن في إسناد الأخبار المروية من هو من المجسمة، كالهشامين وصاحب الطاق وغيرهم. ومنهم من أثبت الجهل لله في الأزل، كزرارة بن أعين وبكير بن أعين والأحولين وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم وغيرهم. ومنهم فاسد المذهب كبني فضال وابن مهران وابن بكير، وجماعة أخرى. ومنهم الوضاع كجعفر القزاز وابن عياش. ومنهم الكذاب كمحمد بن عيسى. ومنهم الضعفاء وهم كثيرون. ومنهم المجاهيل وهم أكثر، كابن عمارة وابن سكوه. ومنهم المستورو الحال كالبقليسي وقاسم الخراز وابن فرقد وغيرهم. وسيجيء ذكر جماعة منهم في المقصد السادس إن شاء الله تعالى. ومنهم من هو فاسق في أفعال الجوارح، وغيرهم. ولأن كتب أحاديثهم مشحونة بالأحاديث الضعيفة، فكيف يجب العمل بكل ما فيها من الأخبار؟
وقد اعترف الطوسي بنفي وجوب العمل بكثير من الأحاديث الصحيحة بأنه خبر واحد لا يوجب علما ولا
عملا. والكليني يروي عن ابن عياش وهو كذاب. والطوسي يروي عمن يدعي الرواية عن إمام مع أن غيره يكذبه كابن سكان، فإنه يدعي الرواية عن الصادق وقد كذبه غيره، ويروي عن ابن المعلم وهو يروي عن ابن بابويه الكذاب صاحب الرقعة المزورة، ويروي عن المرتضى أيضا، وقد طلبا العلم معا وقرآ على شيخهما محمد بن النعمان، وهو أكذب من مسيلمة، وقد جوز الكذب لنصرة المذهب، ومن ثمة ألف كتابا مشحونا بالأكاذيب وعزاه إلى نصراني، وكتابا آخر كذلك عزاه إلى جارية كما سبق غير مرة.
ودعوى جماعة من متقدميهم كالمرتضى وشيعته تواتر كثير من الأخبار المودعة في كتب القوم باطلة، إذ لا شبهة في أن كل واحد من الأخبار آحاد. وقد اعترف علماء الفرقة أنه لم يتحقق إلى الآن خبر بلغ التواتر إلا قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار» نص عليه المقتول في البداية. وكذا القدر المشترك بينها، إذ لم يتواتر مدلولها أيضا، إذ ليس في كتبهم خبر رواه جمع بلفظ واحد أو ألفاظ متقاربة يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات، ولا معنى واحد لأنه هو القدر المشترك بين الأخبار. وذلك ظاهر لمن تصفح كتبهم.
وأعجب من ذلك أنه ادعى أن ما رواه الإمامي وروته أصحابه يوجب العلم، مع أن فيهم من طعنوا فيه. والمتقدمون منهم أيضا كانوا يزعمون ذلك لأنهم كانوا يعملون بما رواه أصحابهم من غير التفات إلى المعلول والمردود والصحيح وغيره. وابن بابويه حكم بوضع بعض ما رواه الكليني بإسناد صحيح عندهم، كالأخبار التي رواها في تحريف القرآن وإسقاط بعض آيات منه. والحلي أيضا حكم بوضع بعض أخبار رواها الكليني أيضا، وكذا أبو جعفر الطوسي، كخبر ليلة
التعريس وخبر ذي اليدين. وبالغ المرتضى في وضع ما رواه شيخ شيخه ابن بابويه والصفار من خبر المساق؛ مع أن إسناد كل منهما صحيح عندهم.