الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنالك لو دعوت أتاك منهم
…
فوارس مثل أرمية الحميم»
والنهج مملوء من أمثال هذه الكلمات، ومحشو من مثل هذه الشكايات. فانظر هل يمكن تطبيق الأوصاف القرآنية على هؤلاء الأقوام وهل يجتمع النقيضان. أو كلام الله كاذب، أو كلام الإمام؟
وأيضا يستفاد من سياق الآية وسباقها أن فتنة المرتدين تدفع بسعي القوم الموصوفين ويتحقق صلاح الدين، إذ الآية سيقت لتسلية قلوب المؤمنين وتقويهم، ولإزالة خوفهم من المرتدين وفتنتهم، ولم تنته مقاتلات الأمير إلا إلى الضد كما لا يخفى.
(أخبار عترية في خلافة الخلفاء)
وأما أقوال العترة فهي كثيرة أيضا.
فمنها ما أورده المرتضى في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين من كتابه الذي كتبه إلى معاوية وهو: «أما بعد فإن بيعتي يا معاوية لزمتك وأنت بالشام، فإنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا» .
ومنتهى ما أجاب الشيعة عن أمثال هذا أنه من مجاراة الخصم ودليل إلزامي. وهو تحريف لا ينبغي لعاقل ولا يليق بفاضل، إذ فيه غفلة وإغماض عن أطراف الكلام الزائدة على قدر الإلزام، إذ يكفي فيه بيعة أهل الحل والعقد كما لا يخفى.
وأيضا الدليل الإلزامي مسلم عند الخصم، ومعاوية لا يسلم ما ذكر. ويرشدك إلى ذلك كتبه إلى الأمير كما هو مذكور عند الإمامية وغيرهم، فمذهبه كما يظهر منها أن كل مسلم قرشي مطلقا إذا كان قادرا على تنفيذ الأحكام وإمضاء الجهاد وحماية حوزة الإسلام وحفظ الثغور ودفع الشرور وبايعه جماعة من المسلمين من أهل العراق أو من أهل الشام أو من المدينة المنورة فهو الإمام. وإنما لم يتبع الأمير لاتهامه له بقتلة عثمان وحفظ أهل الجور والعصيان، وما كان يعتقده قادرا على تنفيذ الأحكام وأخذ القصاص الذي هو من عمدة أمور شريعة سيد الأنام، وذاك بزعمه ومقتضى فهمه. ومن أجلى البديهات أن بيعة المهاجرين والأنصار التي لم تكن خافية على معاوية قط لو حسبها معتدا بها لم يذكر في مجالسه ومكاتيبه قوادح الأمير، بل خطأ تلك البيعة أيضا بالصراحة كما هو معروف من مذهبه على ما لا يخفى على الخبير. فما ذكر في مقابلته من بيعة المهاجرين والأنصار دليل تحقيقي مركب من المقدمات الحقة فيثبت المطلوب.
ومنها ما في النهج أيضا عن الأمير أنه قال: «لله بلاء أبي بكر، لقد قوم الأود، وداوَى العلل، وأقام السنة، وخلّف البدعة، وذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعته واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طريق متشعبة لا يهتدي فيها الضال ولا يستيقن المهتدي» .
وقد حذف الشريف صاحب النهج حفظا لمذهبه "أبا بكر" وأثبت بدله "فلان"، وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر. ولهذا الإبهام اختلف الشراح، فقال البعض هو أبو بكر وبعض هو عمر. ورجح الأكثرون الأول وهو الأظهر. فقد وصفه المعصوم من الصفات بأعلى مراتبها، فناهيك به وناهيك بها.
وغاية ما
أجابوا أن مثل هذا المدح كان من الإمام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالشيخين أشد الاعتقاد. ولا يخفى على منصف أن فيه نسبة الكذب إلى معصوم لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه حاصلا قطعا، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة، فحاشا لمثل الإمام أن يمدح مثل هؤلاء. وفي الحديث الصحيح «إذا مدح الفاسق غضب الرب». وأيضا أية ضرورة تلجئه إلى هذه التأكيدات والمبالغات؟ وكان يكفيه أن يقول: لله بلاء فلان قد جاهد الكفرة المرتدين، وشاع بسعيه الإسلام، وقام عماد المسلمين، ووضع الجزية، وبنى المساجد، ولم تقع في خلافته فتنة ولا بقي فيها معاند، ونحو ذلك. وفرق بين هذا والسلوك في هاتيك المسالك. وأيضا في هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج للباطل، وذاك محال من المعصوم، بل كان الواجب عليه بيان الحال لمن بين يديه بموجب الحديث الصحيح:«اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس» فانظر وأنصف.
وأجاب بعض الإمامية أن المراد من فلان رجل من الصحابة مات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. واختار هذا القول الراوندي. وانظر هل يمكن لغيره صلى الله عليه وسلم في زمنه الشريف تقويم الأود ومداواة العلل وإقامة السنة وغيرها؟ وهل يعقل أن رجلا مات وترك الناس فيما ترك والنبي صلى الله عليه وسلم موجود بنفسه النفيسة وذاته الأنيسة؟ سبحانك هذا بهتان عظيم وزور جسيم.
وقال البعض: غرض الإمام من هذه العبارة توبيخ عثمان والتعريض به، فإنه لم يذهب على سيرة الشيخين. وفيه نظر من وجوه: أما أولا فالتوبيخ يحصل بدون هذه الكذبات فما الحاجة إليها؟ وأما ثانيا فسيرة الشيخين إن كانت محمودة فقد ثبتت
إمامتهما وإلا فالتوبيخ على عثمان بتركها لا ينبغي. وأما ثالثا فهذه من خطب الكوفة، فما الموجب لعدم الصراحة بالتوبيخ:«أنا الغريق فما أخشى من البلل» .
ومنها ما نقله علي بن عيسى الإربلي الاثنا عشري في كتابه كشف الغمة في معرفة الأئمة أنه: «سُئل الإمام أبو جعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال: نعم، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة. فقال الراوي: أتقول هكذا؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال: نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة» ومن الثابت أن مرتبة الصديقية بعد النبوة، ويشهد لها القرآن، والآيات كثيرة. ولا أقل من كونها صفة مدح فوق الصالح، وإذا قال المعصوم في رجل صالح ارتفع عنه احتمال الجور والفسق والظلم والغضب، وإلا لزم الكذب وهو محال. فكيف يعتقد فيه غصب الإمامة وتضييع حق الأمة؟ والمعتقد داخل في عموم هذا الدعاء، ويكفيه جزاء.
وغاية ما أجابوا أنه تقية. وأنت تعلم أن وضع السؤال يعلم منه أن السائل شيعي، فلم التقية منه وهذا التأكيد. وبعضهم أنكر هذا الكلام، والنسخ شاهدة لنا، وإن لم يوجد في البعض فالبعض الآخر كاف. والنسخ كثيرة والروايات في هذا الباب أكثر. والله تعالى أعلم وأبصر.