الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في بيان أن الإله واحد
ذهبت الخطابية والاثنينية والخمسية والمقنعية إلى أن الإله متعدد. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه جمهور المليين، وغيرهم من العقلاء كالفلاسفة والبراهمة، من أن الله تعالى واحد؛ لإجماع الأنبياء عليهم السلام على الدعوة إلى التوحيد، ونفي الشريك في الألوهية، ولنصوص الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى:{إنما الله إله واحد} ، {لا إله إلا هو} ، {وإلهكم إله واحد} وغير ذلك. وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ، «لا إله إلا الله» ، «لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك» ، وغير ذلك، ولما صح عن علي وأولاده من طريق أهل السنة والشيعة الإمامية والزيدية والكيسانية والإسماعيلية من أنهم كانوا يبرؤون ممن يقول بتعدد الآلهة. ولأنه لو تعدد الإله فإما أن يكون كل واحد منهما علة مستقلة تامة لوجود العالم، فيلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد بالشخص وهو محال، وإلا يلزم عجز
الآخر، والعجز نقص. ولأن المعلول لا بد له من فاعل، والواحد كاف، وما زاد عليه عدد ليس أولى من الآخر، فيفضي ذلك إلى أعداد غير متناهية، وهو محال.
ولأنه لو كانا موجودان واجبا الوجود فلا يخلو إما أن يكونا متوافقين في الماهية، أو متباينين فيها، وعلى كلا التقديرين يلزم تركيب كل منهما، أما على التقدير الأول فلتركيب كل منهما في الوجوب والتمايز في الماهية، لأنه لو كان واجبا الوجود متفقين لكان بينهما تمايز، وما به المشاركة بين الشيئين مغاير لما به امتياز كل واحد منهما عن الآخر، فيلزم تركيب كل منهما من جزئين، ثم إن ذينك الجزئين إما أن يكونا واجبين أو لا، فعلى الأول يلزم اشتراكهما في الوجوب والتباين في الماهية، فيكون كل منهما مركبا من جزئين آخرين؛ فيلزم التسلسل وعلى الثاني يلزم أن يكون أحدهما أو كلاهما ممكنا، وقد فرضنا واجبين، هذا خلف، ولأنه لو تعدد الواجب فإما أن يقع تخالف بينهما أو لا، وعلى الأول إما أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر، فيلزم كون الآخر عاجزا، أو يحصل مراد كليهما فيلزم اجتماع النقيضين، وعلى الثاني إما أن يكون قدرة كل منهما وإرادته كافية في وجود العالم؛ فيلزم اجتماع العلتين التامتين على معلول واحد بالشخص، وهو باطل، أو لا شيء منهما كاف، فيلزم أن يكون كل منهما عاجزا، وأن لا يكون خالقا، فلا يكون إلها. ولأنه لو وجد إلهان متصف كل منهما بالعلم والقدرة والإرادة، فوجود مقدور معين، كحركة جسم معين في زمان معين فوقوعه إما أن يكون بهما، فيلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد بالشخص، وإما أن يكون بأحدهما، فيلزم الترجيح بلا مرجح.
ولأنه لو وجد إلهان كل منهما جامع لصفات الألوهية، فإذا أراد أحدهما أمرا كحركة جسم مثلا فإما أن يتمكن الآخر من إرادة ضده أو لا، وكلاهما محال لاستلزامه اجتماع الضدين، أو لا يقع مراد واحد منهما، وهو محال لاستلزامه عجز الإلهين المفروضين بكمال القدرة، ولاستلزامه ارتفاع الضدين المفروض امتناع خلو المحل عنهما، كحركة جسم وسكونه في زمان معين، أو يقع مراد أحدهما دون الآخر، وهو محال لاستلزامه الترجيح بلا مرجح وعجز من فرض قادرا حيث لم يقدر على ما هو ممكن في نفسه، أعني إرادة الصدور، ولا شك في امتناع احتمال الإرادتين، وهو لا ينافي الإمكان، ولأنه لو تعدد الإله لا يكون العالم، لأن
تكونه إما بمجموع القدرتين، وهو باطل لأن من شأن الإله كمال القدرة، وإما بكل منهما على الإنفراد فيلزم عجز الآخر، وهذا البرهان يسمى برهان التمانع، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{لو كان فيهما آلهتان إلا الله لفسدتا} والمراد بالفساد عدم التكون، فالبرهان قطعي، وأما إذا أريد به الخروج عما هو عليه من النظام فإقناعي، وتقريره أنه لو كان إلهان لأمكن وقوع التنازع بينهما والتغالب وذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض بحكم اللزوم العادي، فلم يحصل بين أجزاء العالم هذا الالتئام المحسوس، واختل النظام الذي به بقاء الأنواع، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.