الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر في أن المبعوث هو محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه
ذهبت الغرابية إلى أن الله تعالى لم يبعث محمدا نبيا ولم يرسل إليه جبريل بالرسالة، ولكنه أرسله إلى علي بن أبي طالب، وكان محمد أشبه بعلي من الغراب بالغراب والذباب بالذباب، وقد بعث الله جبريل إلى علي فغلط جبريل في تبليغ الرسالة إلى علي بن أبي طالب، فبلغها إلى محمد بن عبد الله. قال شاعرهم:"غلط الأمين فحادها عن حيدره"، ويلعنون صاحب الريش، ويعنون به جبريل عليه السلام.
وهذا باطل عند أهل الحق ومن وافقهم من الفرق، لقوله تعالى:{محمد رسول الله} ، {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} ، {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} ، {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} .
وفي التوراة في السفر الأول منها، قال الله تعالى لإبراهيم:"إن هاجر تلد ويكون من ولدها من يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخشوع". وفي السفر الخامس منها: "يا موسى إني مقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم وأجري قولي في فيه ويقول لهم ما آمره به، والرجل الذي لا يقبل قول النبي الذي يتكلم باسمي فأنا أنتقم منه". وفي السفر الخامس أيضا: "أن الرب جاء من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلى من جبال فاران، ومعه عن يمينه ربوات جيش القديسين إلى الشعوب،
ودعا لجميع قديسيه بالبركة". فمجيء الرب تعالى من طور سيناء هو إنزاله التوراة على موسى، وإشراقه من ساعير إنزاله الإنجيل على عيسى، لأنه سكن في ساعير أرض الخليل في قرية ناصرة، واستعلاؤه من جبال فاران إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وفاران هي جبال مكة على قول الجميع.
وفي الإنجيل: قال المسيح للحواريين: "أنا ذاهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه إلا كما يقال له، وهو يشهد علي، وأنتم تشهدون لأنكم معي من قبل الناس، وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به". وفي نقل يوحنا عنه: "أن الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئا، ولكنه مما يسمع به يكلمكم، ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب". وفي نقل آخر عنه: "إن الفارقليط روح الحق الذي يرسله باسمي هو يعلمكم كل شيء". وفي نقل آخر عنه: "أن البشير ذاهب، والفارقليط بعده يجيء لكم، ويقسم لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإني لأجيئكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل". والفارقليط بلغتهم لفظ من الحمد: أحمد أو محمود أو محمد.
وفي الزبور: "يا أحمد، فاضت الرحمة على شفتيك، من أجل ذلك أبارك عليك، فتقلد السيف، فإنه بهاؤك وحمدك الغالب، وبوركت كلمة الحق، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، سهامك مسنونة، والأمم يجبرون، تحتك كتاب حق، جاء الله من اليمن، والتقديس من جبل فاران، فامتلأت الأرض من تحميد أحمد وتقديسه، وملك الأرض ورقاب الأمم". وفي موضع آخر منه: "لقد انكسفت السماء من بهاء أحمد، وامتلأت الأرض من حمده". وفيه: "سبحان الذي هيكله الصالحون، يفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته، وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منه بالكرامة، يسبحونه
على مضاجعهم، ويكبرون الله تعالى بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذوات شفرتين، لينتقموا من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود، وأشرافهم بالأغلال". ومعلوم أن سيوف العرب هي ذوات الشفرتين، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو المنتقم بها من الأمم. وفيه: "أن الله أظهر من صيفون إكليلا محمودا"، وصيفون العرب، والإكليل النبوة، ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم. وفي مزمور آخر منه: "أنه يجوز من بحر إلى بحر، ومن أنهار إلى أنهار، إلى منقطع الأرض، وأن تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، وتلحس أعداؤه التراب، تأتيه الملوك بالقرابين، وتسجد وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، لأنه يخلص الضطهد البائس ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وأنه يعطي من ذهب بلاد شتى، ويصلي عليه في كل وقت، ويبارك عليه في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد". ومعلوم أنه لم يكن هذا إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من البشائر التي لا تحصيها الدفاتر، وكلها تدل صراحة على أن النبي محمد لا علي. وقد اعترفت العيسوية من اليهود وكثير من النصارى بنبوته صلى الله عليه وسلم، غير أنهم يزعمون أنه مبعوث للعرب خاصة.
وقد ثبت عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه لدى الفريقين أنه كان يقول: "وأشهد أن محمدا عبده المصطفى وأمينه المرتضى، أرسله لوجوب الحجج وظهور الفلج وإيضاح المنهج، فبلغ الرسالة صادعا بها، وحمل على الحجة دالا عليها". وكان يقول أيضا: "أقام أعلام الاهتداء ومنار الضياء"، ولأنه لما ادعى محمد صلى الله عليه وسلم النبوة بادر علي إلى تصديقه، فآمن به ونصره وقاتل معه من أنكر نبوته.
والحاصل أن هذا كلام مما لا ينبغي أن يلتفت إليه
ولا يستوجب أن يعرج عليه، فإن بطلانه غير خفي على أحد، وفساده لا ينكر ولا يجحد. والله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالته ويودع من شاء حكمته ونبوته. والله يهدي من يشاء على صراط مستقيم.