الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس والعشرون في أن جميع الكائنات بقضاء الله تعالى وقدره
ذهبت الكيسانية والفرق الثمانية من الزيدية والإمامية إلى أن ليس جميع الكائنات بقضاء الله تعالى وقدره. والقضاء إثبات ما هو كائن إلى الأبد على وفق ما تعلق به علمه تعالى أزلا في اللوح المحفوظ إجمالا، والقدر تفصيل قضاء الله السابق باتحادهما في المواد الخارجية. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة من أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، لقوله تعالى:{إنا كل شيء خلقناه بقدر} . ولما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره» ، ومثل ذلك كثير في الكتب الصحيحة.
وروى محمد بن بابويه القمي في كتاب التوحيد بإسناد صحيح عندهم عن أبي عبد الله أنه قال: "القدرية مجوس هذه الأمة، أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه عن سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر} ". وروى محمد بن بابويه القمي أيضا في حديث المعراج عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله فقال: "إلهي اجمع أمتي على ولاية علي بن أبي طالب
ليردوا جميعا على حوضي يوم القيامة، فأوحى الله إليه أني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم، وقضائي ماض فيهم، لأهلكن من أشاء، وأهدي به من أشاء". وروى الكليني عن أبي نصير قال:"قلت لأبي عبد الله: شاء من أراد وقدر وقضى؟ قال: نعم، قلت: وأحب؟ قال: لا". وغير ذلك من رواياتهم الصحيحة عندهم.
واحتج من خالف أهل الحق أنه لو كانت المعاصي بقضاء الله وقدره لزم أن يكون الله ظالما، لأنه إذا قضى وقدر المعصية ثم عذب عليها كان ذلك ظلما.
والجواب أن القضاء على ما ذكرنا ليس من الظلم في شيء، لأنه إثبات ما تعلق به العلم في اللوح. وأما القدر فكذلك، لأن إيجاد الفعل عقب صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كما تقدم، فالعذاب بسبب سوء اختيار العبد المعصية وميل نفسه إليها وكسبه، ولو وكله الله تعالى إلى نفسه وفوض الأمر إليه يصدر منه المعصية بقدرته، ولأن القول بعدم التقدير إخراج الله تعالى عن سلطانه كما نطق به الصادق، ولأنه قد سبق أن الظلم لا يتصور في حقه تعالى.