الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكذا حرب الأئمة.
قال أهل السنة: هذا مجاز للتهديد والتغليط، بدليل ما حكم الأمير من بقاء إيمان أهل الشام وأخوتهم في الإسلام. على أن قوله «حرب الرسول كفر» ممنوع، إذ قد حكم على آكل الربا بحرب الله ورسوله معا. قال تعالى:{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وعلى قطاع الطريق كذلك قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية، فلم لم تحكم الشيعة بكفر هؤلاء؟
(الأدلة القرآنية على خلافة الثلاثة)
هذا ولنرجع إلى ما كنا فيه، ولنورد عدة آيات قرآنية وأخبار عترية تدل على المرام وتوضح المقام وتفسد أصل الشيعة وتبطل هذه القاعدة الشنيعة. وبالله تعالى الاستعانة والتوفيق، ومنه يرجى الوصول إلى سواء الطريق.
الحاصل أن الله تعالى وعد المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت النزول بالاستخلاف والتصرف، كما جعل داود عليه السلام الوارد في
حقه: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} وغيره من الأنبياء، وبإزالة الخوف من الأعداء الكفار والمشركين، بأن يجعلهم في غاية الأمن حتى يخشاهم الكفار ولا يخشون أحدا إلا الله تعالى، وبتقوية الدين المرتضى بأن يروجه ويشيعه كما ينبغي. ولم يقع هذا المجموع إلا زمن الخلفاء الثلاثة، لأن المهدي ما كان موجودا وقت النزول، والأمير وإن كان حاضرا لكن لم يحصل له رواج الدين كما هو حقه بزعم الشيعة، بل صار أسوأ وأقبح من عهد الكفار كما صرح به المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة، مع أن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم خائفين هائبين من أفواج أهل البغي دائما. وأيضا الأمير فرد من الجماعة، ولفظ الجمع حقيقة في ثلاثة أفراد ففوق، والأئمة الآخرون لم يوجد فيهم مع عدم حضورهم تلك الأمور كما لا يخفى، وخلف الوعد ممتنع اتفاقا، فلزم أن الخلفاء الثلاثة كانوا هم الموعودين من قبله تعالى بالاستخلاف وأخويه، وهو معنى الخلافة الراشدة المرادفة للإمامة.
وقال الملا عبد الله المشهدي في إظهار الحق بعد الفحص الشديد: يحتمل أن يكون «الخليفة» بالمعنى اللغوي و «الاستخلاف» الإتيان بأحد بعد آخر كما ورد في حق بني إسرائيل: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض} والمعنى الخاص مستحدث بعد الرحلة.
جوابه: أن الاستخلاف غير مستعمل في الكلام بالمعنى اللغوي، والقاعدة الأصولية للشيعة أن الألفاظ القرآنية ينبغي أن تحمل على المعاني الاصطلاحية الشرعية حتى الإمكان، لا على المعاني اللغوية، وإلا فالشرعية كلها تفسد ولا يثبت حكم كما لا يخفى. وأيضا كيف يصح تمسكهم بحديث:«أنت مني» الخ المنضم إليه
{اخلفني في قومي} وكيف التمسك بحديثهم: «يا علي أنت خليفتي من بعدي» ؟ ولقد سعى المدققون من الشيعة في الجواب عن هذه الآية وتوجيهها. وأحسن الأجوبة عندهم اثنان: الأول أن «من» للبيان لا للتعبيض، و «الاستخلاف» الاستيطان. قلنا: حمل «من» الداخلة على الضمير على البيان مخالف للاستعمال وبعيد عن المعنى في الآية، وإن قال به البعض بناء على قول البيضاوي، وورد البيان في آخر سورة الفتح فتدبر. سلمنا، لكن لا يضرنا لأن المخاطبين هم الموعودون بتلك المواعيد وقد حصلت لهم، إلا أن الاستخلاف غير معقول للكل حقيقة، فالحصول للبعض حصول للكل باعتبار المنافع. وأيضا قيد {وعملوا الصالحات} وكذا «الإيمان» يكون عبثا، إذ الاستيطان يحصل للفاسق وكذا الكافر أيضا وحاشا القرآن من العبث. الثاني أن المراد الأمير فقط وصيغة الجمع للتعظيم أو مع أولاده بخوف. قلنا يلزم تخلف الوعد كما لا يخفى، إذ لم يحصل لأحد منهم تمكين دين وزوال خوف، والناس شاهدة على ذلك.
وانظر أيها المنصف الحصيف واللوذعي الشريف إلى ما قاله الإمام مما ينحسم فيه الإشكال في هذا المقام. ذكر في نهج البلاغة الذي هو أصح الكتب عندهم أن عمر بن الخطاب لما استشار الأمير عند انطلاقه لقتال فارس وقد جمعوا للقتال أجابه: «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأيده، حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عز اسمه {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا} وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده. ومكان القيم بالأمر في الإسلام مكان النظام من الخرز، فإن انقطع النظام تفرق، ورب متفرق لم يجتمع، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك. وقد كان أن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما
يكرهه. وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة» انتهى بلفظه المقدس. فتدبر منصفا، فاندفع الإشكال واتضح الحال. والحمد لله رب العالمين.
ومنها قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} المخاطب بعض القبائل ممن تخلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية لعذر بارد وشغل كاسد. وقد أجمع الفريقان أنه لم يقع بعد نزول هذه الآية إلا غزوة تبوك، ولم يقع فيها لا القتال ولا الإسلام، فتعين الغير. والداعي ليس جناب الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة، فلا بد أن يكون خليفة من الخلفاء الثلاثة الذين وقعت الدعوة في عهدهم، كما في عهد الخليفة الأول لمانعي الزكاة أولا وأهل الروم آخرا، وفي عهد الخليفة الثاني والثالث كما لا يخفى على المتتبع. فقد صحت خلافة الصديق لأن الله تعالى وعد وأوعد ورتب كلا على الإطاعة والمعصية. فهلا يكون ذلك المطاع المنقاد له بالوجود إماما؟ المنصف يعرف ذلك.
وقد تخبط ابن المطهر الحلي وقال: «يجوز أن يكون الداعي الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوات التي وقع فيها القتال ولم ينقل لنا» . وإذ فتح هذا الباب يقال: يجوز عزل الأمير بعد الغدير ونصب أبي بكر وتحريض الناس على اتباعه ولم ينقل لنا. فانظر وتعجب.
وقال بعضهم: الداعي هو الأمير، فقد دعا إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وفيه:
إن قتل الأمير إياهم لم يكن لطلب الإسلام بل لانتظام أحوال الإمام، ولم ينقل في العرف القديم والجديد أن يقال لإطاعة الإمام إسلام ولمخالفته كفر. ومع هذا نقل الشيعة روايات صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق الأمير أنه قال:"إنك يا علي تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله". وظاهر أن المقاتلة على تأويل القرآن لا تكون إلا بعد قبول تنزيله، وذلك لا يعقل بدون الإسلام، بل هو عينه، فلا يمكن المقاتلة على التأويل مع المقاتلة على الإسلام. وهو ظاهر.
ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} . مدح الله تعالى في هذه الآية الكريمة الذين قاتلوا المرتدين بأكمل الصفات وأعلى المبرات، وقد وقع ذلك من الصديق وأنصاره بالإجماع، لأن ثلاث فرق قد ارتدوا في آخر عهده عليه السلام. الأولى بنو مدلج قوم أسود العنسي ذي الخمار الذي ادعى النبوة في اليمن وقتل
على يد فيروز الديلمي. الثانية بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب المقتول في أيام خلافة الصديق على يد وحشي. الثالثة بنو أسد قوم طليحة بني خويلد المتنبئ، ولكنه آمن بعد أن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالدا وهرب منه إلى الشام. وقد ارتد في خلافة الصديق سبع فرق: بنو فرازة قوم عيينة بن حصين، وبنو غطفان قوم قرة بن سلمة، وبنو سليم قوم ابن عبد ياليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض بني
تميم قوم سجاح بنت المنذر، وبنو كندة قوم أشعث بن قيس الكندي، وبنو بكر في البحرين. وارتدت فرقة في زمن عمر رضي الله تعالى عنه [والتحقت بالنصارى إلى الروم]. وقد استأصل الصديق رضي الله تعالى عنه كل فرقة وأزعجهم واستردهم إلى الإسلام كما أجمع عليه المؤرخون كافة. ولم يقع للأمير ذلك، بل كان متحسرا، وكم قال: ابتليت بقتال أهل القبلة، كما رواه الإمامية. وتسمية منكري الإمامة مرتدين مخالفة للعرف القديم والحديث. على أن المنكر للنص غير كافر، كما قال الكاشي وصاحب الكافي.
وانظر إلى ما قال الملا عبد الله صاحب إظهار الحق ما نصه: «فإن قيل فإن لم يكن النص الصريح ثابتا كما في باب خلافة الأمير فالإمامية كاذبون، وإن كان لزم أن يكون جماعة الصحابة مرتدين والعياذ بالله تعالى، أجيب أن إنكار النص الذي هو موجب للكفر إنما هو اعتقاد أن الأمر المنصوص باطل، وأن كذبوا في ذلك التنصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاشا. أما لو تركوا الحق مع علمهم بوجوبه للأغراض الدنيوية وحب الجاه فيكون ذلك من الفسوق والعصيان لا غير» ثم قال: «فالذين اتفقوا على خلافة الخليفة الأول لم يقولوا إن النبي صلى الله عليه وسلم -
نص عليها لأحد أو قال بما لا يطابق الواقع فيها، معاذ الله، بل منهم من أنكر بعض الأحيان تحقق النص، وأوّل بعضهم كلام الرسول عليه الصلاة والسلام تأويلا بعيدا» انتهى كلامه.
وأيضا قال الأمير في بعض خطبه المروية عنه عندهم: «أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل» . وأيضا قد منع السب كما تقدم، وسب المرتد غير منهي عنه. قطعنا وسلمنا أن الأمير قاتل المرتدين، فالمقاتل لهم زمن الخليفة الأول شريك في المدح أيضا، وإلا لزم الخلف لعموم من في الشرط والجزاء كما تقرر في الأصول. والمقاتل هو وأنصاره لا الأمير، إذ لم يدافع أحدا منهم ولا عساكره، إذ هم غير موصوفين بما ذكر، فلكم شكا منهم الإمام وأعلن بعدم الرضاء عنهم. ودونك ما في نهج البلاغة في خطابه لهم: «أنبئتُ أن بُسرا قد اطلع اليمن، وإني لأظن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى أصحابهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم. فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم إني قد مللنهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني. اللهم مِثْ قلوبهم كما يماث الملح بالماء. لوددت والله لو أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم: