الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر في بيان اختلاف الرافضة في الإمامة وتعيين الأئمة
اعلم أن الرافضة اختلفوا في الإمامة وتعيين الأئمة:
أما الإمامية فذهبت الغلاة منهم إلى أن الإمامة هي الحكومة وإجراء الأحكام من الأوامر والنواهي.
وذهب غيرهم من الفرق إلى أن خلافة النبي في أمر الدين والدنيا.
وأما تعيين الأئمة:
فذهبت فرقة من الغلاة إلى أن الآلهة هم الأئمة، واختلفوا في تعيينهم.
فذهبت فرقة منهم إلى أن أولهم علي، أو محمد ثم علي، ثم الحسن ثم الحسين، ثم من صلح من أولاد الحسين إلى جعفر بن محمد، وهو الإله الأصغر، ونوابهم من صلح من أبنائه.
وذهبت فرقة إلى أن الإمام في هذه الأمة محمد وعلي، وهما إلهان، ونوابهما من صلح من أولاد علي.
وذهبت السبائية والذمية إلى أن الإمام هو علي، وهو إله، ثم الإمام بعد عروجه إلى السماء ولداه، ثم من صلح من أولاد الحسين.
وذهبت الحلولية منهم إلى أن الإمام من حل الله تعالى فيه. وقد تقدم ذكر اختلافهم في تعيينهم.
واختلف باقي الفرق في تعيين الأئمة اختلافا كثيرا:
فذهبت فرقة من الكيسانية إلى أن الإمام بعد النبي علي ثم ولده محمد.
وقالت فرقة منهم: إن الإمام بعده الحسن ثم الحسين ثم محمد.
وروى كل فرقة عمن زعمه إماما أخبارا في أحكام الشريعة وادعوا التواتر لها.
وروت الفرقة الأولى أن محمدا ادعى الإمامة بعد أبيه وأن أباه قد نص على إمامته بعده.
وروت الفرقة الثانية أن أباه نص على إمامة الحسن ثم الحسين ثم محمد، وزعموا أن محمدا فقد الإمامة بعد شهادة أخيه الحسين وأظهر الخوارق على وفق دعواه.
وروت الإمامية أيضا أنه ادعى الإمامة لكنه رجع عن دعواه، واعترف بإمامة ابن أخيه علي بن الحسين.
روى الراوندي في معجزات السجاد عن حسين بن أبي العلاء وأبو المعز حميد بن
المثنى جميعا عن أبي نصير عن أبي عبد الله قال: جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين قال: يا علي، ألست تقر أني إمام عليك؟ فقال: يا عم، لو علمت ذلك ما خالفتك، وأن طاعتي عليك وعلى الخلق مفروضة، يا عم، أما علمت أني وصي وابن وصي؟ وتشاجرا ساعة، فقال علي بن الحسين: بمن ترضى حتى يكون بيننا حكما؟ فقال محمد: بمن شئت، فقال: أترضى أن يكون بيننا الحجر الأسود؟ فقال: سبحان الله أدعوك إلى الناس وتدعونني إلى حجر لا يتكلم! قال علي: بلى يتكلم، أما علمت أنه يأتي يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن أتاه بالموافاة؟ فندنو أنا وأنت، فندعو الله عز وجل أن ينطقه لنا أينا حجة الله على خلقه؟ فانطلقا وصليا عند مقام إبراهيم، ودنوا من الحجر الأسود، وقد كان ابن الحنفية قال: لئن لم يجبك إلى ما دعوتني إليه إنك إذا لمن الظالمين، فقال علي لمحمد: تقدم يا عم إليه فإنك أسن مني، فقال محمد للحجر: أسألك بحرمة الله تعالى وبحرمة رسوله صلى الله عليه وسلم وبحرمة كل مؤمن إن كنت تعلم أني حجة الله على علي بن الحسين، إلا نطقت بالحق وبين لنا ذلك، فلم يجبه، ثم قال محمد لعلي: تقدم فاسأله، فتقدم علي فتكلم بكلام خفي لا يفهم، ثم قال: أسألك بحرمة الله تعالى وبحرمة رسوله صلى الله عليه وسلم وبحرمة علي أمير المؤمنين وبحرمة الحسن وبحرمة الحسين وفاطمة بنت محمد، إن كنت تعلم أني حجة الله على عمي إلا نطقت بذلك وبينه لنا حتى يرجع عن رأيه، فقال الحجر بلسان عربي مبين: يا محمد بن علي، اسمع وأطع لعلي بن الحسين، فإنه حجة الله تعالى على خلقه، فقال ابن الحنفية عند ذلك: سمعت وأطعت وسلمت. انتهى.
والكيسانية يصدقون الدعوى وينكرون الشهادة ويزعمون أن الأمر بالعكس. ويروون عن محمد من الخوارق ما لا يكاد يضبط. وقالوا: الإمام بعد محمد ولده أبو هاشم، واختلف بعده كما سبق.
وذهبت الزيدية إلى أن الإمام بعد الحسين زيد بن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم- وروى عنه وعن أبيه وجده أخبارا. وادعوا في بعض تلك الأخبار التواتر، كمسح الرجلين في الوضوء. وأنكر الإمام زيد معتقدات سائر الإمامية في الإمام، كما في رواية الزيدية عنه. وروت الإمامية بعض تلك الأخبار أيضا. من ذلك ما رواه الكليني عن هشام بن الحكم، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
وذهبت الباقرية إلى أن الإمام بعد علي ابنه الحسن، ثم أخوه الحسين، ثم ولده علي، ثم محمد بن علي الباقر، وهو حي لكنه مختف.
وذهبت الناوسية إلى أن الإمام بعد الباقر ولده عبد الله بن جعفر الصادق وأنه لم يمت، ولا يموتون مدى الدهر حتى يظهر أمره، وهو القائم المنتظر والمهدي الموعود، ورووا عن الصادق فيه أخبارا وادعوا تواترها، منها:"لو رأيتم رأسي هدهد عليكم من هذا الجبل فلا تصدقوا، فإني صاحبكم صاحب السنين".
وذهبت المهدوية من الإسماعيلية إلى أن الإمام بعد الصادق ولده إسماعيل بنص الصادق عليه، ثم أولاده من غير تعيين عدد.
وذهبت المباركية منهم إلى أن إسماعيل بن جعفر هو القائم المنتظر والمهدي الموعود.
وذهبت القرمطية منهم إلى أن الإمام بعد إسماعيل ولده محمد، وهو المهدي.
وذهبت السمطية إلى أن الإمام بعد إسماعيل أخوه محمد، ثم أخوه موسى، ثم أخوه عبد الله، ثم أخوه إسحاق، ثم الإمامة في ولدهم.
وزعمت الأفطحية أن الإمام بعد الصادق عبد الله بن جعفر، أخو إسماعيل من أبيه وأمه، وكانت أمهما فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأنه مات، ولكنه سيرجع بعد موته إلى الدنيا.
وذهبت الموسوية إلى أن الإمام بعد الصادق ولده موسى، بنص الصادق عليه، وهو
خاتم الأئمة.
وذهبت الرجعية منهم إلى أنه مات، ولكنه يرجع بعد موته.
وذهبت الممطورية منهم إلى أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره، وهو القائم المنتظر، ورووا عن الصادق أنه قال:"سابعكم قائمكم، وهو سمي صاحب التوراة".
وقالت الاثنا عشرية: الإمام بعد موسى ابنه الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ولده علي النقي، [ثم ابنه الحسن العسكري]، ثم ابنه محمد بن الحسن العسكري، وهو المهدي الموعود. وزعموا أنه حي مختف من خوف الأعداء، فإنه يخرج من السرداب بسر من رأى.
وذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الحسن جعفر بن علي أخو الحسن بن علي العسكري، وقالوا: لا عقب للعسكري، وقال بعضهم: كان له ولد، ولكنه مات صغيرا في حياة أبيه.
روى الكليني عن زرارة بن أعين عن أبي عبد الله قال: "لا بد للغلام من غيبة، قلت: ولم؟ قال: يخاف، قلت: وما يخاف؟ فأومأ بيده إلى بطنه. فهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته: فمنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: مات أبوه ولم يخلف، ومنهم من يقول: ولد قبل موت أبيه بسنتين".
وكل ذلك من أكاذيبهم، كيف وقد روى الكليني وغيره بطرق متنوعة أن الأئمة لا يموتون إلا باختيارهم، وأنهم يعلمون علم ما كان وما يكون.
وكل
من هؤلاء الفرق رووا عن أئمتهم أخبارا لإثبات مذهبهم في عدد الأئمة وتعيينهم. فيزعم كل فرقة منهم أن إمامهم ادعى الإمامة وأظهر المعجزة على وفق دعواه. ويدعون التواتر في أخبارهم عن الإمامة. وكل ذلك كذب. ولو تواتر خبر فرقة منهم، لم ينكر محمد [بن] علي إمامة ابن أخيه علي بن الحسين، ولم ينكر زيد أصل الإمامة، ولم يشدد النكير على الأحول هذا. وهذه الاختلافات مع عدم مرجح تدل دلالة ظاهرة على أن مذهب الكل باطل، وليس لهم على من ادعاه كل سلطان. وذلك ظاهر. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.