الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في بيان دعاة الرافضة وفرقهم
اعلم أن لكل فرقة من فرقة الرافضة دعاة كانوا يدعون الناس إلى باطلهم وينصبون حبائل الحيل ليوقعوا الناس في شرك الضلال، كلهم أروغ من ثعلب وأهدى من القطا في طريق الضلال والغي.
والدعاة ثلاث فرق: الفرقة الأولى المنافقون. الفرقة الثانية الفجرة الصواغون. الفرقة الثالثة المؤمنون المخدوعون. وكل منهم إما عالم يدعو الناس إلى مذهبه بإقامة الدلائل والشبه الواهية على حقيقته وذم مذهب غيره، وربما يؤلف قلوبهم ببذل الأموال يأخذها من أغنياء شيعته أو بالمواعيد الكاذبة ويريهم أنه أعطف عليهم من أبيهم وأمهم، فيطيعه ويتبعه بذلك كل من أعمى الله تعالى عين بصيرته وختم على قلبه؛ وإما ذو ثروة وفضل يدعو الناس إليه بأمرين: بذل المال وإقامة الدليل؛ وإما ذو شوكة يدعو الناس إليه بالوعد والوعيد؛ وإما غير ذلك ممن اتصف بشيء يوجب اجتماع الناس عليه.
ثم الداعي للدعاة على الدعوى أمور:
الأول تضليل الأمة وتفريق شملهم. والداعي لذلك الأمر هو المنافق اللعين كعبد الله بن سبأ والعلباء وبيان النهدي وغيرهم ممن تقدم ذكره، وكان أولهم ابن سبأ فإنه كان منافقا قصارى بغيته تفريق جماعة المسلمين وتضليل المؤمنين.
الثاني تكثير سواد مذهبه. والداعي لذلك الأمر لا يكون إلا مقلدا للمذهب.
الثالث حب الجاه والمال. والداعي لذلك الأمر لا يكون إلا الغاوي المضل. ومن هذه الفرقة من ادعى السفارة بين الإمامية الاثني عشرية وبين صاحب الزمان وادعى المكاتبة
معه والرواية عن الأئمة ليتأسى به الشيعة ويجعلوه قدوة لهم ويبذلوا له أموالهم ويجعلوا له أمهات أولادهم وسائر جواريهم.
الرابع إرضاء ملك أو ذي ثروة يحب أن يكثر أهل مذهبه. والداعي لذلك الأمر لا يكون إلا من يشتري الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، فيضل الناس ليرضى عنه سلطانه أو ذو الثروة.
الخامس رجاء نيل المثوبة من الله تعالى. والداعي لذلك الأمر هو الذي يعتقد أن مذهب الرافضة حق وما عداه باطل، فيدعو الناس لينال أجرا عظيما من عند الله سبحانه.
السادس أداء ما أوجب الله تعالى بزعمه من الأمر بالمعروف والهداية إلى طريق الحق. والداعي إنما العالم المخطئ.
السابع الشفقة على ذوي القربى وغيرهم من المسلمين والرأفة بهم ظنا منه أن غير أهل مذهبه يعذبون بالنار. والداعي لذلك هو المنخدع أو المخطئ أو المقلد لهما بغير علم ولا بصيرة في المذهب.
الثامن إيقاع العداوة والبغضاء بين الرجل وأسرته وأقاربه وعشيرته. والداعي لذلك خبيث النفس لئيم الطبيعة.
وأول داعية كل فرقة من ابتدع المذهب. وأول من دعى الناس على الرفض والقول بألوهية علي بن أبي طالب عبد الله بن سبأ. وقد أشرنا سابقا في كيفية إضلاله وجلب الناس إلى زيغه وباطله. وقد أعاد صاحب الأصل ذلك البحث في هذا المقام مع زيادة في بسط الكلام، وقد أعرضت عن ذكره لئلا يطول المقام واعتمادا على فهم ذوي البراعة وأهل الكمال.
ثم لما استشهد السبط الجليل أبو عبد الله الحسين بن علي المرتضى رضي الله تعالى عنهما، اختلفت الشيعة في تعيين الإمام. فزعم كيسان أن الإمام بعد علي ابنه محمد بن الحنفية وأنكر إمامة السبطين ودعى الناس إليه، فتبعه جمع كثيرون، إلا أن أكثرهم
رجعوا عن مذهبه بسبب إنكاره إمامة السبطين. وقالوا إن محمد بن علي بن أبي طالب إمام هذه الأمة بعد أخويه. وارتضى هذا القول سائر الكيسانية، وقدوتهم مختار بن أبي عبيد الثقفي. ولما ولي الكوفة وما حولها دعى الناس إلى مذهبه فتبعه جمع كثيرون من الشيعة لسلطانه وإحسانه إليهم وقوله بإمامة السبطين وادعائه أن محمد بن علي بن أبي طالب استخلفه لطلب ثأر أخيه والجهاد مع النواصب من آل مروان وتابعيهم وإدارة البلاد التي تفتح. ودفع إلى رؤساء الشيعة كتابا منه إليهم بخطه وطبع عليه بطابعه فإذا فيه:"من محمد بن علي أمير المؤمنين إلى فلان وفلان وفلان وأتباعهم، يا معشر الشيعة اعلموا أني قد جعلت مختار بن أبي عبيد الثقفي خليفتي، فأطيعوا أمره وجاهدوا معه الأعداء بأموالكم وأنفسكم وحثوا أتباعكم على مقاتلتهم وعلى إطاعة المختار فيما يأمر وينهى، والسلام على من اتبع الهدى". فلما قرأوا الكتاب أطاعوه من غير توقف. وحاربوا أول من كان بالكوفة ممن قاتل السبط الشهيد وقتلوهم حيث وجدوهم، وهرب أمير الكوفة، فآتاه الله الملك. ثم أرسل إبراهيم بن مالك بن الأشتر إلى جهاد من كان في بلاد العراق من النواصب وقتل من وجد من محاربي السبط الجليل ومن نصرهم ووالاهم، وأمره [بأن] يثخن في الأرض. فخرج إبراهيم من الكوفة وقتل من وجد منهم، وفتح بلاد العراق والأهواز وديار
بكر وأذربيجان. ثم قصد دمشق، فأخبر به ابن مروان فسير إليه عبيد الله بن زياد مع مائة ألف فارس، واستقبله إبراهيم ومعه اثنا عشر ألف فارس. فقالتهم فقتل إبراهيمُ عبيد الله بن زياد ودوخ من كان معه من الجنود. وقد بلغ عدد القتلى في حروب المختار مائة وأربعين ألف رجل. فارتفع قدر المختار إذ ذاك واستشفت الشيعة المخلصون وغيرهم بقتل ابن زياد وأعداء أهل البيت وانهزام جيش العدوان، وشكروا صنيع المختار وأثنوا على إبراهيم ومن معه.
وأتت الشيعة تسعى إلى المختار من كل فج. واختار مذهبه جمع لا يحصى منهم. ولقب أهل مذهبه بالمختارية، وأبقوا في أحسن حال وأرفه عيش نحو اثنتي عشرة سنة. ثم ادعى أنه يوحى إليه. فقاتله ابن الزبير فنصره الله تعالى عليه، فغلبه وقتله بعد أن أسره. وتفرقت حينئذ أتباعه وجنوده. ورجع الكيسانية عن مذهبه واختلفت كلمتهم في
تعيين الإمام بعد محمد كما سبق.
ثم تعين هشام الأحول وهشام بن سالم وأحول آخر يلقب بشيطان الطاق. فطفق كل منهم مع من وافقهم يدعون الناس إلى إمامة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثم إلى إمامة محمد بن علي الباقر. فتبعهم جمع من التفضيلية والمختارية، ورجعت جماعة كثيرة من الشيعة إلى مذهبهم. وهؤلاء الرهط أسلاف الشيعة الإمامية وقدماء دعاتهم ورواة أخبارهم ومتكلميهم، مع أنهم قد بلغوا في الضلال ما علمت واتبعوا أهواءهم من دون الله فضلوا وأضلوا. والأئمة الذين يدعون هؤلاء أنهم يروون عنهم أحكام الدين كانوا يتبرؤون منهم ويكذبون ما يروون عنهم من العقائد الباطلة والهفوات الزائغة ويدعون عليهم بالهلاك. وقد ثبت ذلك بالآثار الصحيحة المروية من طريق الإمامية أيضا كما سيجيء إن شاء الله تعالى ذكره في غير موضع من هذا الكتاب.
ودعى أصحاب زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب جمعا من الشيعة إلى إمامته لما بايعه جمع كثير سرا. ونهض يطلب الخلافة. وكان الإمام أبو حنيفة تعالى يحض الناس على إمامته ويقول: "لولا ودائع الناس عندي لجاهدت الأعداء معه". فقاتل أمير العراقين. ولما أخبر به عبد الملك بن مروان جهز إليه خمسة آلاف مقاتل، فقتلوه وغلبوا في مواطن كثيرة. ثم رفضه الجم الغفير من أهل الكوفة ممن ينتحلون حب جده ويزعمون أنهم من خلص الشيعة.
ومن دعاة الزيدية يحيى بن زيد بن علي. ومنهم أبو عبد الله يحيى بن الحسين بن القاسم الحسيني، من ولد الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الملقب بالهادي، وكان فاضلا نبيلا وعالما جليلا. استولى على بلاد اليمن سنة ثمان ومائتين، ثم استولى على الحجاز. وصنف كتابا في فقه الزيدية سماه الأحكام.
ومنهم ابنه محمد الملقب بالمرتضى، وحفيده حسن بن أحمد، ويحيى بن أحمد وغيرهم من الزيدية. ومنهم من غيّر مذهبه، كجارود وسليمان بن جرير التبر التومي وحسن بن صالح ونعيم بن اليمان ويعقوب. وكل منهم يدعو الزيدية إلى مذهبه بعد أن ابتدعوا في المذهب أمورا كما سبق.
ولما كان الهشامان وشيطان الطاق أكثر دعاة الإمامية كيدا وأعلمهم وأوفرهم خداعا، تبعهم جمع لا يحصى ومن ثم كثرت فرقة الإمامية وزادت على سائر فرق الرافضة.
ثم إن الإمامية لما افترقت إلى فرق كثيرة كما سلف كثر دعاة كل فرقة منهم وتصدر جمع من كل فريق واتبعهم جمع من سفهاء الأحلام. وكان كل فرقة تقول بإمامة رجل من أهل البيت ثم بعد وفاته بإمامة ولد من ولده أو بإمامة أخيه أو تنكر موته وتزعم أنه اختفى وسيظهر بعد حين، إلى أن قالوا بإمامة الحسن بن علي العسكري واختفائه بعد موته. فادعى جمع أن حسنا لم يخلف ولدا وأن الإمام بعده أخوه جعفر فسمّ فمات ولم يخلف ولدا، فزعموا أنه خاتم الأئمة وكانوا شرذمة قليلة. وزعمت جماعة أخرى منهم أن الحسن بن علي خلف ولدا وهو المهدي الموعود وهو خاتم الأئمة، لكنه اختفى من خوف الأعداء. واستقرت أراؤهم على انحصار الأئمة في الاثني عشر رجلا، فلقبوا بالاثني عشرية.
وكثرت دعاتهم، وأولهم ادعى السفارة بينه وبين شيعته، وذلك سنة ست وستين ومائتين، ثم بعده خلفاؤه إلى أن أفضت نوبة السفارة سنة ست عشرة وثلاثمائة إلى علي بن محمد، وهو خاتم الدعاة من السفرة، وعاش إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. ومن دعاتهم من ادعى الكتابة، فكان يظهر للشيعة كتابا يزعم أنه خط الإمام الحجة قد بعثه جوابا نمقه إليه. ومن هؤلاء من يثبت الواسطة بينه وبين صاحب الزمان. ومنهم من لا يثبت كما سيجيء إن شاء الله تعالى. ومن دعاتهم علماؤهم الذين صنفوا الكتب أو تصدروا لتعليم الفقه والكلام. وسيجيء ذكر عيون مصنفيهم ومشاهير علمائهم إن شاء الله تعالى. ومن دعاتهم من يروي الأخبار عن الأئمة الأخيار وأصحابهم بواسطة أو بغير واسطة في الأصول والفروع وفضائل الأعمال. ومن دعاتهم بعض من استولى على البلاد من الزائغين. وأنكر بعضهم إمامة موسى بن جعفر ومن بعده من ولده، فزعم بعضهم أن جعفر بن محمد الصادق لم يمت ولكنه غاب وسيظهر بعد حين، وهو المهدي المنتظر، ورووا عنه في ذلك آثارا ودعى الشيعة إليه، منهم عبد الله بن ناؤس. وادعى بعضهم أنه بعد جعفر إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي، مع أنه مات قبل أبيه في المدينة ودفن في بقيع الغرقد باتفاق المؤرخين والإخباريين من أهل السنة وجماهير الشيعة. وزعموا أنه لم يمت ولكنه غاب وهو القائم المنتظر الموعود. وأول دعاة هؤلاء الضلال مبارك ثم خلفاؤه.
وذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الصادق ابنه محمد ودعى الناس إلى إمامته. وزعم بعضهم أن الإمام بعد جعفر محمد بن إسماعيل بنص الصادق عليه.
وهذه الفرق الثلاثة كانوا شرذمة قليلة ودعاتهم من ابتدع المذهب وأصحابه. وأولهم حمدان قرمط. وزعم بعضهم أن إسماعيل بن جعفر مات بعد أبيه، والإمامة بعد جعفر لإسماعيل وبعده لأولاده بنص السابق على اللاحق كما سبق. ودعاتهم عبد الله بن ميمون وحدان قرمط ويحيى بن أبي الشمط وخلف وأحمد وخلفاؤهم. وادعى محمد بن عبد الله بن عبد الله الذي لقب بالمهدي أنه من ولده وأنه إمام هذه الأمة. فانخدع جمع من السفهاء من أهل المغرب وصدقوه وبايعوه وكثرت أتباعه. ونهض لطلب الملك فحارب من ولاه المقتدر العباسي فغُلب، وغلب المهدي على إفريقية وهي من مشاهير بلاد المغرب. وانتشرت دعاته إلى بلاد المغرب وأورث الولاية أولاده وفتحوا مصر. ومال إلى مذهبهم علماء السوء وعلموا الناس مذهب العبيدية وكثرت دعاتهم من العلماء. منهم نعمان بن محمد بن منصور وعلي بن نعمان ومحمد بن نعمان وعبد العزيز ومحمد بن المسيب والمقلد بن المسيب العقيلي وأبو الفتوح برحوان ومحمد بن
عماد الكتامي الملقب بأمين الدين وغيرهم. ومن دعاتهم زمن المستنصر عامر بن عبد الله الزواحي. ومن أكابر دعاتهم في ذلك الزمان علي بن محمد الصليحي، وكان أبوه قاضيا في اليمن سني المذهب عالما ورعا، وكان علي الداعي خليفة عامر المذور في الدعوة، وذلك أن عامر الداعي كان يركب إلى القاضي ويلاطفه لرئاسته وصلاحه وعلمه وسؤدده وفضله، وكان يرى لولده علي مخايل النجابة، فلم يزل عامر يتردد إليه حتى استمال قلب ولده وهو يومئذ دون البلوغ.
وقال بعض أئمة التاريخ كان عند عامر حلية علي الصليحي في كتاب الصور، وهو من الذخائر العظيمة، فأوثقه منه على تنقل حاله وجزيل ماله وأطلعه على ذلك من غير علم أبيه وأهله، ثم مات عامر بعيد ذلك وأوصى له بكتبه وعلومه ورسخ في ذهنه من كلام عامر ما رسخ، فعكف على الدرس وكان ذكيا، فلم يبلغ الحلم إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم العربية والكلامية والحكمية والفقهية، وصار فقيها في مذهب الدولة العبيدية، ثم صار يحج بالناس دليلا على طريق السراة والطائف خمس عشرة سنة. وفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة رقى قلعة منيعة من جبال اليمن، وكان معه ستون رجلا قد حالفهم بمكة في موسم سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام على الدعوة إلى مذهب المهدوية وبيعة المستنصر العبيدي، وكل منهم له أتباع كثيرون. وبنى فيها حصنا حصينا واستفحل أمره شيئا فشيئا. وكان يدعو للمستنصر خفيا ويخاف من نجاح صاحب تهامة ويلاطفه ويستكن لأمره ظاهرا وهو يسعى
في قتله باطنا، حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وهرب أبناؤه، وملك تهامة. وفي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة كتب إلى المستنصر في إظهار الدعوة، فأذن له. فطوى بلاد اليمن وفتح الحصون وملك بلاد اليمن كلها في أقل من سنتين، وأخذ البيعة من كافة أهل اليمن وأضل منهم خلقا كثيرا. وعزم على الحج سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، وتوجه في ألفي فارس فيهم من أهله مائة وستون رجلا، حتى إذا كان في النهجر نزل في ظاهره بضيعة يقال لها بئر أم معبد، وكان سعيد وخباس ابنا صاحب تهامة مستترين في زبيد، فلما أخبرا أن الصليحي توجه من مكة خرجا ومعهما سبعون رجلا كلهم مشاة ليس معهم سوى الجريد وفي رؤسها مسامير، وتركوا جادة الطريق وسلكوا طريق الساحل. وكان الصليحي قد سمع بخروجهم فسير جمعا ممن في ركابهم لقتالهم، واختلفوا في الطريق فوصل سعيد ومن معه قريب بئر أم معبد، فظن الناس من الصليحيين أنهم من عبيد عسكرهم فلم يكترثوا منهم، وإن حذرهم منهم بعض دعاتهم ونصحهم، فهجموا عليهم بغتة فقتلوه وجزوا رأسه بسيفه وقتلوا أخاه وسائر الصليحيين في تلك السنة فقطع دابرهم.
ومن أكابر دعاتهم [الطلائع بن زريك] الأرمني وزير الفائز بن الظافر العبيدي،
وكان يرغب الناس في التشيع ويدعوهم إلى مذهب العبيدية.
وممن يرغبهم في المذهب ويدعوهم إلى مذهب المهدوية الفقيه عمارة اليمني الشاعر المشهور صاحب تاريخ اليمن، وكان شافعي المذهب لم يكن منهم، وكان يمدح الفائز والصالح ويثني عليهما بما ليس فيهما، حتى قال في قصيدة يمدحهما بها:
لقد حمى الدين والدنيا وأهلهما
…
وزيره الصالح الفرّاج للغمم
مع اعتقادده فساد مذهبهما، وذلك لكثره إحسانهما إليه.
ولما انقضت دولتهم وذهبت ريحهم وملك صلاح الدين مصر، اتفق الفقيه عمارة اليمني مع جماعة من رؤساء مصر على التعصب لهم وإعادة دولتهم، وكانوا ثمانية من الأعيان من جملتهم الفقيه عمارة، وكاتبوا الإفرنج واستدعوا بهم إلى السلطان حتى يجلسوا ولد العاضد مكانه، فأحس بهم السلطان فقبضهم وصلبهم ودمر العبيدية وعاش عيشا رغدا.
ولم يبق من العبيدية من يدعي الإمامة. ورجع الناس عن مذهبهم ولم يبق من المتمذهبين بمذهبهم إلا رهط من أهل اليمن وجمع هربوا من مصر إلى أقاصي الهند ودعوا جمعا إلى مذهبهم فأجابتهم عصبة من الحمقى، وبقي أهل مذهبهم في الهند وبعض بلاد اليمن إلى الآن. وزعم بعض من هؤلاء الضلال أن ابن العاضد قدم الهند، وادعى أنه المهدي فأطاعه قوم من الجهلة وعاش مدة، ثم مات ودفن هناك، وأذاعوا أنه قبر المهدي. والمهدوية يزورونه ويتبركون به.
ومن دعاتهم المكرم الصليحي ملك مدينة ذي جبلة من بلاد اليمن وزوج السيدة بنت الصليح القائمة مقام زوجها بعد موته.
وسبأ بن أحمد بن مظفر الصليحي الذي استولى على أكثر بلاد اليمن في جماعة من الصليحيين وعظماء اليمن وشرذمة من علمائهم.
ومن دعاتهم رؤساء القرامطة أبو سعيد القرمطي الجنابي وابنه أبو طاهر، فإنهم منهم إلا أنهم كانوا يظهرون ما يخفونه من الاعتقادات الفاسدة.
ومن دعاتهم النزارية حسن بن علي بن محمد بن الحسين بن محمد بن صباح الحميري الشهير بابن الصباح وكبار أولاده. وابن الصباح أول من ابتدع مذهب النزارية.
اللهم اعصمنا من هؤلاء الشياطين واحفظنا من البدع والأهواء بمنك وكرمك.