الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع عشر في أن اللطف لا يجب على الله تعالى
ذهبت الكيسانية والزيدية غير المخلصين والإمامية إلى أن اللطف واجب؛ واللطف ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة ومن وافقهم من فرق المسلمين من أنه لا يجب عليه شيء؛ لأنه هو المالك على الإطلاق، وله التصرف في ملكه كيف يشاء، ولا حاكم عليه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل. ولأنه لو وجب اللطف عليه تعالى لوجب عليه سبحانه أن يريد إيمان كل مكلف، والنصوص تدل على خلاف ذلك، فإنها ناصة على أن انتفاء إيمان الكل مبني على انتفاء مشيئته سبحانه، قال تعالى:{ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} وقال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} وقال تعالى: {ولو شاء لهداكم أجمعين} إلى غير ذلك من النصوص، وتخصيص الإرادة بإرادة العزم باطل؛ لأن إرادة العزم للممتنع كإرادة جزمه، وكلاهما سفه، وكذا إرادة انقلاب العلم جهلا، ولأنه لو وجب عليه اللطف لم يشأ ضده وقد شاء، قال تعالى:{وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه} وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه} فإنه إذا لم يشأ عدم الفعل فقد شاء الفعل لعدم القائل بالفصل. ولأنه لو وجب اللطف على الله تعالى لوجب عليه أن يريد لعبده خيرا، ولم ينكت في قلبه نكتة سوداء ولم
يسد مسامع قلبه ولم يوكل به شيطانا يضله، وقد فعل ذلك كله بكثير من عباده. ولأنه تعالى قال:{لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} فلو كان اللطف واجبا لأخل بالواجب، وفعل ما هو عبث وسفه، تعالى الله عن ذلك. ولأنه لو وجب اللطف على الله تعالى لبعث في كل عصر نبيا وولى على كل بلد معصوما يدعو المكلف إلى الحق ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ولأنه لو وجب عليه سبحانه اللطف لم يخلق للعاصي إرادة المعاصي.
واحتج من خالف أهل الحق بأن اللطف يحصل به غرض المكلف، وهو الإتيان بالمأمور به، فيكون واجبا، وإلا لزم نقض الغرض وهو قبيح.
والجواب أنا لا نسلم أن الغرض هو الإتيان بالمأمور به، وإلا لزم أن يكون الله تعالى معللا فعله بغرض ممتنع إذا أمر من يمتنع إيمانه بالإيمان، وهو سفه وعبث، ولأن الله تعالى قال:{ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} وإذا حق القول منه بذلك فلا بد أن يكون جمع من المكلفين عصاة، فتكليفهم بالطاعة عبث، والعبث لا يكون واجبا، فاللطف منتف عنهم، فلو وجب لزم إخلاله تعالى به، ولأنه لو وجب ذلك لم ينظر إبليس إلى النفخة الأولى ولم يقل له:{واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم} الآية، حين قال:{لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا} . ولأن الغرض يحصل بإلجاء المكلف على قبول المأمور به أيضا، بل هو أشد وأقوى من اللطف في حصول الغرض، ولا قبح فيه فيكون واجبا، كما فعل ذلك بقوم موسى عليه الصلاة والسلام حيث رفع فوقهم الطور وألجأهم على الامتثال لما أمروا به، قال تعالى:{ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} وقال تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة} ، ولأن تمكن العاصي من المعاصي نقض للغرض، فإن عدمه لطف، ولم يفعل.
ولأنه لو كان اللطف واجبا لما ذكر لم يخلق في العبد قدرة على خلق القبائح، فإنه نقض للغرض. ولأنه قد ثبت من طريق الإمامية عن أئمة أهل البيت أن الله تعالى أمر إبليس بالسجود ولم يرد منه ذلك كما سلف فتذكر.