الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا الْكَلْبِ،
ــ
مُتَّفَقٌ عليه (1). ولا يَجُوزُ بَيْعُ ما لا نَفْعَ فيه، كالْحَشَرَاتِ كُلِّها، وسِباعِ البَهائِمِ التى لا تَصْلُحُ للاصْطِيادِ؛ كالأَسَدِ، والذِّئْبِ، وما لا يُؤْكَلُ ولا يُصادُ به مِن الطَّيْرِ؛ كالرَّخَمِ (2)، والحِدَأَةِ، والغُرَابِ الأَبْقَعِ، وغُرَابِ البَيْنِ، وبَيْضِها؛ لأنَّه لا نَفْعَ فيه، فَأَخْذُ ثَمَنِه أَكْلُ للمَالِ بالباطِلِ، ولأَنَّه ليس فيها نفْعٌ مُباحٌ، أَشْبَهَتِ الخِنْزِيرَ.
1555 - مسألة: (ولا)
يَجُوزُ بَيْعُ (الكَلْبِ) أىَّ كَلْبٍ كَان، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا في المَذْهَبِ. وبه قال الحَسَنُ، ورَبِيعَةُ، وحَمّادٌ، والشّافِعىُّ، وداودُ. ورَخَّصَ في ثمنِ كَلْبِ الصَّيْدِ خاصَّةً جابِرُ بنُ عبدِ اللَّه، وعَطَاءٌ، والنَّخَعىُّ. وأَجازَ أبو حَنِيفَةَ بَيْعَ الكِلاب كُلِّها وأخْذَ ثَمَنِها. وعنه، بَيْعُ الكَلْبِ العَقورِ. واخْتَلَفَ أصْحابُ مالكٍ، فقال قَوْمٌ: لا يَجُوزُ. وقال قومٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الكَلْبِ المَأْذُونِ في إمْساكِه، ويُكْرَهُ؛ لِمَا رُوِى عن جابِر أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ثمَنِ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ (3). ولأنَّهُ يُباحُ الانْتِفاعُ به، ويَصِحُّ نَقْلُ اليَدِ فيه، والوَصِيَّةُ به،
(1) تقدم تخريجه في 2/ 307 حاشية رقم (2).
(2)
الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون مبقع بسواد، له منقار طويل قليل التقوس.
(3)
أخرجه النسائى، في: باب الرخصة في ثمن كلب الصيد، من كتاب الصيد، وباب ما استثنى، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 168، 272. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 317، 339.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصَحَّ بَيْعُه، كالحِمارِ. ولَنا، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن ثَمَنِ الكَلْبِ، ومَهْرِ البَغِىِّ، وحُلْوَانِ الكَاهِنِ. مُتفَقٌ عليه (1). وعن رافِعِ بنِ خَدِيجٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ» . رَواهُ مسلمٌ (2). وعن ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، قال: نَهَى رسولُ اللَّهِ
(1) أخرجه البخارى، في: باب ثمن الكلب، من كتاب البيوع، وباب كسب البغى والإماء. . .، من كتاب الإجارة، وفى: باب مهر البغى والنكاح الفاسد، من كتاب الطلاق، وفى: باب الكهانة، من كتاب الطب، وفى: باب من لعن المصور، من كتاب اللباس. صحيح البخارى 3/ 110، 122، 7/ 79، 176، 217. ومسلم، في: باب تحريم ثمن الكلب. . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1199. كما أخرجه أبو داود، في: باب في أثمان الكلاب، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 250. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية مهر البغى، من أبواب النكاح، وفى: باب ما جاء في ثمن الكلب، من أبواب البيوع، وفى: باب ما جاء في أجر الكاهن، من أبواب الطب. عارضة الأحوذى 5/ 67، 276، 8/ 228، 229. والنسائى، في: باب النهى عن ثمن الكلب، من كتاب الصيد والذبائح، وفى: باب بيع الكلب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 167، 272. وابن ماجه، في: باب النهى عن ثمن الكلب ومهر البغى. . .، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730. والدارمى، في: باب في النهى عن ثمن الكلب، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 255. والإمام مالك، في: باب ما جاء في ثمن الكلب، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 656. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 118 - 120.
(2)
في: باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن. . . إلخ، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1199. كما أخرجه أبو داود، في: باب في كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 238. والترمذى، في: باب ما جاء في ثمن الكلب، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 276. والنسائى، في: باب النهى عن ثمن الكلب، من كتاب الصيد. المجتبى 7/ 167. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 464، 465.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم عن ثَمَن الكَلْبِ، فإنْ جاءَ يَطْلُبُه فامْلَئُوا كَفَّهُ تُرابًا. رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّهَ حَيَوانٌ نُهِىَ عن اقْتِنائِه في غيرِ حالِ الحاجَةِ، أشْبَهَ الخِنْزِيرَ. وأمّا حَدِيثُهم، فقال التِّرْمِذِىُّ: لا يَصِحُّ إسْنادُ هذا الحَدِيثِ. وقال الدَّارَقُطْنِىُّ: الصَّحِيحُ أنّه مَوْقُوِفٌ على جابِرٍ. وقال أحمدُ: هذا مِن الحَسَنِ بنِ أبى جَعْفرٍ، وهو ضَعِيفٌ.
فصل: ولا يَحِلُّ قَتْلُّ الكَلْبِ المُعَلَّمِ؛ لأنَّه مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ به، مُباحٌ اقْتِنَاوه، فَحَرُمَ إتْلافُه، كالشَّاةِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. ولا غُرْمَ على قاتِلِه. وهذا مَذْهَبُ الشّافِعِىِّ. وقال مالِكٌ، وعَطَاءٌ: عليه الغُرْمُ؛ لِما ذَكَرْنَا في تَحْرِيمِ قَتْلِه. ولَنا، أنّه مَحَل يَحْرُمُ أَخْذُ عِوَضِه؛ لخُبْثِه، فلم يَجِبْ غُرْمُه بإتْلافِه، كالخِنْزِيرِ، وإنّما حَرُمَ إتْلافُه؛ لِما فيه مِن الإِضْرارِ، وهو مَنْهِىٌّ عنه. فأمّا قَتْلُ ما لا يُباحُ إمْساكُه مِن الكِلابِ، فإنْ كان أَسْوَدَ بَهِيمًا، أُبِيحَ قَتْلُه؛ لأنَّه شَيْطَان. كما جاءَ في حدِيثِ أبى ذَرٍّ (2). ولِما رُوِى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لَوْلَا أنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بقَتْلِها، فاقْتُلُوا منها كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ» (3). وكَذلك يُباحُ قَتْلُ الكَلْبِ العَقُورِ؛ لِما رَوَتْ عائِشَةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
(1) في: باب في أثمان الكلاب، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 250.
(2)
تقدم تخريجه في 3/ 649.
(3)
تقدم تخريجه في 3/ 653.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«خَمسٌ مِن الدَّوابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ؛ الغُرابُ، والحِدَأَةُ، والعَقْرَبُ، والفَأرَةُ، والكَلْبُ العَقُورُ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). ويُقْتَلُ كلُّ واحِدٍ مِن هذَيْن وإنْ كان مُعَلَّمًا؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثَيْنِ. وعلى قِياسِ الكَلْب العَقُورِ كُلُّ ما آذَى النّاسَ وضَرَّهُم في أَنْفُسِهم وأَمْوَالِهم يُباحُ قَتْلُه، ولأنَّه يُؤْذِى بلا نَفْع، أشْبَهَ الذِّئبَ. وما لا مَضَرَّةَ فيه لا يُباحُ قَتْلُه؛ للخَبَرِ المَذْكُورِ. ورُوِىَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أَمرَ بقَتْلِ الكِلابِ، ثم نَهَى عن قَتْلِها، وقال:«عَلَيْكُم بالأَسْوَدِ البَهِيمِ ذى النُّقْطَتَيْن، فإنّه شَيْطَانٌ» . رَواه مسلمٌ (2).
فصل: ويَحْرُمُ اقْتِناءُ الكِلاب، إلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ والماشِيَةِ والحَرْثِ؛ لِما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ ماشِيَةٍ أو صَيْدٍ أو زَرْعٍ، نَقَصَ مِن أجْرِه كُلَّ يَوْمٍ قِيراطٌ» . مُتَّفَقٌ عليه (3). وإنِ اقْتَنَاه لحِفْظِ البُيوتِ، لم يَجُزْ؛ للخَبَرِ. ويَحْتَمِلُ الإِباحَةَ. وهو قَوْلُ بَعْضِ أَصْحابِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه في مَعْنَى الثَّلاثَةِ. والأوَّلُ أصَحُّ، لأنَّ قِياسَ غيرِ الثّلَاثةِ عليها يُبِيحُ ما تَناوَلَ أوَّلُ الخَبَرِ
(1) تقدم تخريجه في 8/ 305.
(2)
تقدم تخريجه في 3/ 653.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب اقتناء الكلب للحرث، من كتاب المزارعة. صحيح البخارى 3/ 135، 136. ومسلم، في: باب الأمر بقتل الكلاب. . . إلخ، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1203. كما أخرجه أبو داود، في: باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 97. والترمذى، في: باب ما جاء من أمسك كلبا ما ينقص من أجره، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 285. والنسائى، في: باب الرخصة في إمساك الكلب للحرث، من كتاب الصيد. المجتبى 7/ 166. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 267.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحْرِيمَه. قال القاضى: وليس هو في مَعْناها، فقد يَحْتَالُ اللِّصُّ بإِخْراجه بشئٍ يُطْعِمُه إيَّاهُ ليَسْرِقَ المتاعَ أمّا الذِّئْبُ فلا يَحْتَمِلُ هذا في حَقِّه، ولأَنَّ اقْتِناءَه في البُيُوتِ يُؤْذِى المارَّةَ، بخِلافِ الصَّحْراءِ.
فصل: وِيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الجَرْوِ الصَّغِيرِ لأحَدِ الثَّلَاثَةِ، في أَقْوَى الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه قَصَدَه لذلك، فَيَأْخُذُ حُكْمَه، كما جازَ بِيْعُ الجَحْشِ الصَّغِيرِ الذى لا نَفْعَ فيه في الحالِ؛ لمآلِه إلى الانْتِفاعِ. ولأَنَّه لو لم يُتَّخَذِ الصَّغِيرُ ما أمْكَنَ جَعْلُ الكَلْبِ للصَّيْدِ، إذْ لا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بالتَّعَلُّمِ، ولا يُمْكِنُ تَعَلُّمُه إلَّا بتَرْبِيَتِه واقْتِنائِه مُدَّةً يُعَلِّمُه فيها، قال اللَّهُ تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ} (1). ولا يُوجَدُ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ بغَيْرِ تَعْلِيمٍ. والثانِى: لا يَجُوزُ؛ لأنَّه ليسَ مِن الثَّلاثَةِ.
فصل: ومَن اقْتَنَى كَلْبَ صَيْدٍ، ثم تَرَكَ الصَّيْدَ مُدّةً، وهو يريدُ العَوْدَ إليه، لم يَحْرُمِ اقْتِناؤُه في مُدَّةِ تَرْكِه؛ لأنَّ ذلك لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه. وكذلك لو حَصَدَ صاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَه، أُبِيحَ اقْتِناؤُه حتى يزرَعَ زَرْعًا آخرَ. وكذلك لو هَلَكَتْ ماشِيَتُه، أو باعَها، وهو يُرِيدُ شِراءَ غيرِها، فله إمساكُ كَلْبِها؛ ليَنْتَفِعَ به في التى يَشْتَرِيها. فإنِ اقْتَنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مَن لا يَصِيدُ به، احْتَمَلَ الجَوازَ؛ لاسْتِثْنائِه في الخَبَر مُطْلَقًا. واحْتَمَلَ المَنْعَ؛ لأَنَّه اقتَنَاهُ لغيرِ (2) حاجَةٍ، أَشبَهَ غَيْرَه مِن الكِلابِ. ومَعْنَى كَلْبِ
(1) سورة المائدة 4.
(2)
في م: «من غير» .