الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْهُ، في الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ، فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي. وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ، فَهُوَ مِنْ مَاكِ الْمُشْتَرِي. وذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّهُ كَالْمَكِيلِ والْمَوزُونِ في ذَلِكَ.
ــ
1668 - مسألة: (وعنه، في الصُّبْرَةِ المُتَعَيِّنَةِ، أنّه يَجُوزُ بَيعُها قبلَ قَبْضِها، وإنْ تَلِفَتْ فهي مِن ضَمانِ المُشْتَرِي)
نَقَلَها عنه أبو الحارِثِ والجُوزْجَانِيُّ. واخْتَارَهُ القاضِي وأَصْحابُه. ونحوُه قولُ مالِكٍ؛ لقَوْلِ ابنِ عمرَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أنّ ما أَدْرَكَتْه الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فهو من مالِ المبْتاعِ (1). وقد ذَكَرْنا ذلك.
1669 - مسألة: (وما عَدَا المَكِيلَ والمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، وإن تَلِفَ، فهو مِن مالِ المُشْتَرِي. وحَكَى أبو الخَطّابِ رِوَايَةً أُخْرَى، أنّه كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ في ذلك)
كُلِّه، ما عدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ والمَعْدُودَ والمَطْعُومَ، على ما ذَكَرْنا فيه من الخِلافِ، يَجُوز التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ. ويُرْوَى مثلُ هذا عن عثمانَ بنِ عَفّانَ، وسَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحَكَمِ، وحَمّادٍ، والأَوْزَاعِيِّ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 495.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسحاقَ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، لا يَجُوزُ بَيعُ شيءٍ قبلَ القَبْضِ. اخْتارَها ابنُ عَقِيلٍ. ورُوِيَ ذلك عن ابنِ عَبّاسٍ. وهو قولُ أبي حَنِيفةَ، والشّافِعِيِّ، إلَّا أنّ أبا حَنِيفَةَ اخْتَارَ بَيعَ العَقارِ قَبْلَ قَبْضِه. وإذا قُلْنَا بجوازِ التَّصَرُّفِ فيه، فَتَلِفَ، فهو مِن ضَمانِ المُشْتَري. وقال أبو حَنِيفَةَ: كُلُّ مَبِيعٍ قبلَ قَبْضِه مِن ضمانِ البائِعِ، إلَّا العَقارَ. وقال الشافِعِيُّ: هو مِن ضَمانِ البائِعِ في الجَمِيعِ. وحَكَى أبو الخّطاب عن أحمدَ مثلَ ذلك، واحْتَجُّوا بنَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[عَنْ بَيعِ](1) الطعامِ قبلَ قَبْضِه (2). وبما رُوِيَ عن ابنِ عَبّاس، أنّه قال: أرَى كُلَّ شَئٍ بمَنْزِلَةِ الطّعامِ. وبما رَوَى أبو داودَ (3)، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُباعَ السِّلَعُ حيث تُبْتَاعُ حتى يَحُوزَها التُّجَّارُ إلى رِحالِهم. وروَى ابنُ ماجه (4) أنَّ النَّبِيَّ
(1) في م: «أن يباع» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 496.
(3)
في: باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 253.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 191.
(4)
في: باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام. . . .، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 740. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 42.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم نَهَى عن شِراءِ الصَّدَقاتِ حيث تُقْبَضُ. ورُوِيَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا بَعَثَ عَتَّابَ بنَ أُسَيدٍ إلى مَكّةَ قال: «انْهَهُمْ عَنْ بَيعِ ما لم يَقْبِضُوا، وعن رِبْحِ ما لم يَضْمَنُوا» (1). ولأَنَّه لم يَتِمَّ المِلكُ عليه، فلم يَجُزْ بَيعُه، كغَيرِ المُتَعَيِّنِ، أو كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ. ولَنا على جَوازِ بَيعِه قبلَ قَبْضِه، ما رَوَى ابنُ عمرَ، قال: كُنَّا نَبِيعُ الإِبِلَ بالبَقِيعِ بالدّرَاهِمِ فَنَأْخُذُ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ، ونَبِيعُها بالدَّنَانِيرِ فنَأْخُذُ بَدَلَها الدَّرَاهِمَ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«لا بَأْسَ إذا تَفَرَّقْتُما وليس بَينَكُما شيءٌ» (2).
(1) أخرجه البيهقي، في: باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان طعامًا، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 313. وانظر: تلخيص الحبير 3/ 25.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في اقتضاء الذهب من الورق، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 224. والترمذي، في: باب ما جاء في الصرف، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 251. والنسائي، في: باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة، وباب أخذ الورق من الذهب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 248، 249. وابن ماجه، في: باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 760. والدارمي، في: باب الرخصة في اقتضاء الورق من الذهب، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 259. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 33، 83، 84، 139.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا تَصَرُّفٌ في الثَّمَنِ قبلَ قَبْضِه، وهو أحَدُ العِوَضَينِ. ورَوَى ابنُ عمرَ أنّه كان على بَكْرٍ صَعْبٍ، يَعْنِي لعمرَ، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«بِعْنِيهِ» . فقال: هو لَكَ يا رَسُولَ اللهِ. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هو لَكَ يا عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ ما شِئْتَ» (1). وهذا ظاهِرٌ في التَّصَرُّفِ في المَبِيعِ بالهِبَةِ قبلَ قبْضِه. واشْتَرَى مِن جابِرٍ جَمَلًا، ونَقَدَه ثَمَنَه، ثمّ وَهَبَه إيّاهُ قبلَ قَبْضِه (2). ولأَنَّه أحَدُ نوْعَي المَعْقُودِ عليه، فجازَ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، كالمنافِعِ في الإِجَارَةِ، يجوزُ له إجارَةُ العَينِ المُسْتَأْجَرَةِ قبلَ قَبْضِ المنافِعِ، ولأنَّه مَبِيعٌ لا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فصَحَّ بَيعُه، كالمالِ في يَدِ المودِعِ والمُضارِب. ولَنا، على أنَّه إذا تَلِفَ فهو مِن ضَمانِ المُشْتَرِي، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الخَرَاجُ بالضَّمَانِ» (3). وهذا المَبِيعُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 313.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 216.
(3)
تقدم تخريجه في 10/ 284.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نماؤه للمُشْتَرِي، فضَمانُه عليه. وقولُ ابنِ عمرَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أنّ ما أدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فهو من مالِ المُبْتَاعِ. وأمّا أحادِيثُهم، فقد قيلَ: لم يَصِحَّ منها إلَّا حَدِيثُ الطَّعامِ. وهو حُجَّةٌ لنا بمَفْهُومِه، فإنَّ تَخْصِيصَ الطّعامِ بالنَّهْي عن بَيعِه قبلَ قَبْضِه، يَدُلُّ على جَوازِه فيما سِواهُ. وقَوْلُهم: لم يَتِمَّ المِلْكُ عليه. مَمْنُوعٌ؛ فإنَّ السَّبَبَ المُقْتَضِىَ للمِلْكِ مُتَحَقِّقٌ، وأكثَرُ ما فيه تَخَلُّفُ القَبْضِ، واليَدُ ليست شَرْطًا في صِحَّةِ البَيعِ، بدَلِيلِ جَوازِ بَيعِ المالِ المُودَعِ والمَوْرُوثِ، والتَّصَرُّفِ في الصَّدَاقِ وعِوَضِ الخُلْعِ عند أبي حَنِيفَةَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وما لا يَجُوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه، لا يَجُوزُ بَيعُه لبائِعِه؛ لعُمُومِ الخَبَرِ فيه. قال القاضِي: ولو ابْتَاعَ شيئًا ممّا يَحْتاجُ إلى قَبْضٍ، فلَقِيَه بِبَلَدٍ آخَرَ، لم يكُنْ له أخْذُ بَدَلِه إنْ تَرَاضَيَا؛ لأنَّه مَبِيعٌ لم يُقْبَضْ. فإنْ كان ممّا لا يَحْتَاجُ إلى قَبْض، جازَ أخْذُ البَدَلِ عنه، إلَّا أنْ يكونَ سَلَمًا؛ لأنَّه لا يَجُوزُ بيعُ السَّلَمِ قبلَ قَبْضِه.
فصل: وكلُّ عِوَضٍ مُلِكَ بعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بهَلاكِه قبلَ القَبْضِ، لا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، كالذي ذَكَرْنا. والأجْرَةُ وبَدَلُ الصُّلْحِ، إذا كانَا من المَكِيلِ أو المَوْزُونِ أو المَعْدُودِ، وما لا يَنْفَسِخُ العَقْدُ بهَلَاكِه، يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ القَبْضِ، كعِوَضِ الخُلْعِ، والعِتْقِ على مالٍ، وبَدَلِ الصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، وأرشِ الجِنَايَةِ، وقِيمَةِ المُتْلَفِ؛ لأنَّ المُقْتَضِيَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للتَّصَرُّفِ المِلْكُ، وقد وُجِدَ. لكنْ ما يُتَوَهَّمُ فيه غرَرُ الانْفِسَاخِ بهَلاكِ المَعْقُودِ عليه، لم يَجُزْ بناءُ عَقْدٍ آخَرَ عليه؛ تَحَرُّزًا مِن الغَرَرِ، وما لا يُتَوَهَّمُ فيه ذلك الغَرَرُ، انْتَفَى المانِعُ، فجازَ العَقْدُ عليه. وهذا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ. والمَهْرُ كذلك عند القاضِي. وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ؛ لأنَّ العَقْدَ لا يَنْفَسِخُ بهَلَاكِه. وقال الشّافِعِيُّ: لا يِجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه. ووَافَقَه أبو الخَطّابِ في غيرِ المُتَعَيِّنِ؛ لأنه يَخْشَى رُجُوعَه بانْتِقاضِ سَبَبِه بالرِّدَّةِ قبلَ الدّخُولِ، أو انْفِساخَه بسَبَبٍ من جِهَةِ المَرْأةِ، أو نِصْفَهُ (1) بالطَّلاقِ، أو انْفِسَاخَه بسَبَبِ من غيرِ جِهَتِها. وكذلك قال الشّافِعِيُّ في عِوَضِ الخُلْعِ. وهذا التَّعْلِيل باطِلٌ بما بعدَ القَبْضِ؛ فإنَّ قَبْضَه لا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فيه قبلَ الدُّخُولِ. فأمّا ما مُلِكَ بإرْثٍ أو وَصِيَّةٍ أو غَنِيمَةٍ، وتَعَيَّنَ مِلْكُه فيه، فإنَّه يَجُوزُ له التَّصَرُّفُ فيه بالبَيعِ وغَيرِه قبلَ قَبْضِه؛ لأنه غيرُ مَضْمُونٍ بعَقْدِ مُعاوَضَةٍ، فهو كالمَبِيعِ المَقْبُوضِ. وهذا مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ، والشّافِعِيِّ. وإن كان لإنْسَانٍ في يدِ غيره وَدِيعَةٌ أو عارِيَةٌ أو مُضارَبَة، أو جَعَلَه وَكِيلًا فيه، جازَ له بَيعُه ممَّنْ هو في يَدِه ومِن غيرِه؛
(1) في م: «بصفة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه عَينُ مالٍ مَقْدُورٌ على تَسْلِيمِها، لا يُخْشَى انْفِساخُ المِلْكِ فيها، فهي كالتي في يَدِه. فإن كان غَصْبًا، فقد ذَكَرْنا حُكْمَه.
فصل: فإنِ اشْتَرَى اثْنانِ طَعامًا فقَبَضَاهُ، ثمّ باعَ أحَدُهما الآخَرَ نَصِيبَه قبلَ أنْ يَقْتَسِماه، احْتَمَلَ أنْ لا يَجُوزَ. وكَرِهَهُ الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ فيما يُكالُ أو يُوزَنُ؛ لأنه لم يَقْبضْ نَصِيبَه مُنْفَرِدًا، فأشْبَهَ غيرَ المَقْبُوضِ. ويَحْتَمِل الجوازَ؛ لأنه مَقبُوضٌ لهما، يَجُوزُ بَيعُه لأجْنَبِي، فجازَ بَيعُه لشَرِيكِه، كسائِرِ الأمْوالِ. فإنْ تَقَاسَمَاه وتَفَرَّقَا، ثمّ باعَ أحَدُهما نَصِيبَه بذلك الكَيلِ الذي كالهُ لَه، لم يَجُزْ، كما لو اشْتَرَى مِنِ رَجُلٍ طَعامًا، فاكْتَاله وتَفَرَّقَا، ثمّ باعَهُ إيّاهُ بذلك الكَيلِ. وإنْ لِم يَتَفرَّقَا، خُرِّجَ على الرِّوَايَتَينِ اللَّتَينِ ذَكَرْنَاهُما.
فصل: وكُلُّ ما لَا يَجُوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه، لا تَجُوزُ فيه الشرِكَةُ ولا التَّوْلِيَةُ، ولا الحَوالةُ به. وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: