الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ وَطِئَ الْبِكْرَ، أوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ، فَلَهُ الْأرْشُ. وَعَنْهُ، أنَّهُ مُخَيَّرٌ بَينَ الْأرْشِ وَبَينَ رَدِّهِ وَأرْشِ الْعَيبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذ الثَّمَنَ.
ــ
فحُكْمُه حُكْمُ وَطْءِ السَّيِّدِ. وقد اسْتَحْسَنَ أحمدُ أنَّه يَمْنَعُ الرَّدَّ. وهو مَحْمُولٌ على الرِّوَايَةِ الأخْرَى؛ إذْ لا فَرْقَ بينَ هذا وبين وَطْءِ السَّيِّدِ. وإنْ زَنَتْ في يَدِ المُشْتَرِي، ولِم يكُنْ عَرَفَ ذلك منها، فهو عَيبٌ حادِثٌ، حُكْمُه حُكْمُ العُيُوبِ الحادِثةِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ عَيبًا بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّه لَزِمَها حُكْمُ الزِّنَى في يَدِ المُشْتَرِي.
1632 - مسألة: (وإنْ وَطِئَ البِكْرَ، أو تَعَيَّبَتْ عندَه، فله الأرْشُ. وعنه، أنَّه مُخَيَّرٌ بينَ الأرْشِ وبينَ رَدِّه وأَرشِ العَيبِ الحادِثِ عندَه، ويَأْخُذُ الثَّمَنَ)
إذا وَطِئَ المُشْتَرِي قبلَ عِلْمِه بالعَيبِ، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحْداهُما، لا يَرُدُّها، ويَأخُذُ أرْشَ العَيبِ. وبه قال (1) ابنُ سِيرِينَ، والزُّهْرِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وأبو حَنِيفَةَ، وإسْحاقُ.
(1) بعده في الأصل، ق، م:«مالك و» . ولم يذكره في المغني في أصحاب هذا القول، وإنما ذكره في الذي بعده. المغني 6/ 230.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابنُ أبي مُوسَى: وهو الصَّحِيح عن أحمدَ. والرِّوَايَةُ الأخْرَى، يَرُدُّها ومعها شيءٌ. اخْتَارَها الخِرَقِيُّ. وبه قال شُرَيحٌ، وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والشَّعْبِيّ، والنَّخَعِيُّ، ومالِكٌ (1)، وابنُ أبي لَيلَى، وأبو ثَوْرٍ. والواجِبُ رَدُّ ما نَقَصَ قِيمَتَها بالِوَطْءِ، فإذا كانت قِيمَتُها بِكْرًا مائةً، وثَيِّبًا ثمانِينَ، رَدَّ معها عِشْرِينَ؛ لأنَّه بِفَسْخِ العَقْدِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عليه بقِيمَتِه، بخِلافِ أرْشِ العَيبِ الذي يَأْخُذُه المُشْتَرِي. وهذا قولُ مالِكٍ، وأبي ثَوْرٍ. وقال شُرَيحٌ، والنَّخَعِيُّ: يَرُدُّ عُشْرَ ثَمَنِها. وقال سَعِيدُ بنُ المُسَيَّب: يَرُدُّ عَشَرَةَ دَنانِيرَ. وما قُلْنَاهُ إنْ شاءَ اللهُ أوْلَى. واحْتَجَّ مَن مَنَعَ رَدَّهَا بأنَّ الوَطْءَ نَقَصَ عَينَها وقِيمَتَها، فمَنَعَ الرَّدَّ، كما لو اشْتَرَى عَبْدًا فخَصَاهُ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُه. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُخْرَى، أنَّه عَيبٌ حَدَثَ عندَ أحَدِ المُتَبايِعَينِ لا للاسْتِعْلامِ، فأثبَتَ (2) الخِيَارَ، كالعَيبِ الحادِثِ عندَ البائِعِ قبلَ القَبْضِ.
(1) سقط من: ق، ر 1.
(2)
في م: «فيثبت معه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكذلك كلُّ مَبِيع كان مَعِيبًا، ثم حَدَثَ به عَيبٌ عندَ المُشْتَرِي قبلَ عِلْمِه بالأوَّلِ، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهُما، ليس له الرَّدُّ، وله أرْشُ العَيبِ القَدِيمِ. وبه قال الثَّوْرِيُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، والشَّافِعِيُّ، وأصْحَابُ الرَّأْي. ورُوِيَ ذلك عن ابنِ سِيرِينَ، والزُّهْرِيِّ، والشَّعْبِيِّ؛ لأنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ لإِزَالةِ الضَّرَرِ، وفي الرَّدِّ على البائِعِ إضْرارٌ به، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ. والثانِيَةُ، له الرَّدُّ، ويَرُدُّ أرْشَ العَيبِ الحادِثِ عندَه، ويَأْخُذُ الثَّمَنَ. وإن شاءَ أمْسَكَهُ وله الأرْشُ. وبه قال مالِكٌ، وإسحاقُ وقال الحَكَمُ: يَرُدُّهُ. ولم يَذْكُرْ معه شيئًا. ولَنا، حَدِيثُ المُصَرَّاةِ؛ فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِرَدِّها بعدَ حَلْبِها ورَدِّ عِوَضِ لَبَنِها (1). ولأنَّه رُوِيَ عن عثمانَ أنَّه قَضَى في الثَّوْبِ، إذا كان به عَوارٌ (2)، يَرُدُّه، وإنْ كان قد لَبسَه. ولأَنَّه عَيبٌ حَدَثَ عندَ المُشْتَرِي، فكان له الخِيارُ بينَ رَدِّ المَبِيعِ وأَرْشِه، وبينَ أرْشِ العَيبِ الْقَدِيمِ،؛ لو حَدَثَ لاسْتِعْلامِ المَبِيعِ. ولأنَّ العَيبَينِ قد اسْتَوَيَا، والبائِعُ قد دَلَّسَ، والمُشْتَرِى لم يُدَلِّسْ، فكان رِعَايَةُ جَانِبِه أوْلَى.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 347.
(2)
العوار: مثلثة العين، هو العيب والخرق والشق في الثوب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّ الرَّدَّ كان جائِزًا قبلَ حُدُوثِ العَيبِ الثانِي، فلا يَزُولُ إلَّا بدَلِيلٍ، وليس في المسألةِ إجْماعٌ ولا نَصٌّ،، القِياسُ إنَّما يكونُ على أصْلٍ، وليس لِما ذَكَرُوه أصْلٌ، فيَبْقَى الجَوازُ بحالِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يَرُدُّ أرْشَ العَيبِ الحادِثِ عندَه؛ لأنَّ المَبيعَ بجُمْلَتِه مَضْمُونٌ عليه بقِيمَتِه، فكذلك أَجزَاؤُه. فإن زال العَيبُ الحادِثُ عِنْدَه، رَدَّهُ ولا شيءَ معه، على كِلْتَا الرِّوَايَتَينِ. وبه قال الشافِعِيُّ؛ لأَنَّه زال المانِعُ، مع قيامِ السَّبَبِ المُقتَضِي للرَّدِّ، فثَبَتَ حُكْمُه. ولو اشْتَرَى أمَةً، فحَمَلَتْ عندَه، ثم أصابَ بها عَيبًا، فالحَمْلُ عَيبٌ للآدَمِيَّاتِ دونَ غَيرِهِنَّ؛ لأنَّه يَمْنَعُ الوَطْءَ، ويُخافُ منه التَّلَفُ. فإنْ وَلَدَت، فالولَدُ للمُشْتَرِي. وإنْ نَقَصَتْها الولَادَةُ، فذلك عَيبٌ. وإنْ لم تَنْقُصْها الولَادَةُ، وماتَ الوَلَدُ، جازَ رَدُّها؛ لزَوَالِ العَيبِ. فإنْ كان وَلَدُها باقِيًا، لم يَكُنْ له رَدُّها دونَ وَلَدِها؛ لِما فيه مِن التَّفْرِيقِ بينَهما، وهو مُحَرَّم. وقال الشَّرِيفُ أبو (1) جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ في «مِسائِلِهما»: له رَدُّها دونَ وَلَدِها. وهو قولُ أكثرِ أصحابِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه مَوْضِعُ حاجَةٍ، فأشْبَهَ ما لو وَلَدَتْ حُرًّا، فإنّه يَجُوزُ بَيعُها دونَ وَلَدِها. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ فَرَّقَ بينَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِها، فَرَّقَ اللهُ بَينَه وبَينَ أَحِبَّتِه يومَ القِيامَةِ» . رَواهُ التِّرْمِذِيُّ (2)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(1) في م: «ابن» .
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 101.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه أمْكَنَ دَفْعُ (1) الضَّرَرِ بأَخْذِ الأرْشِ، أو برَدِّ وَلَدِها معها، فلم يَجُزِ ارْتِكابُ نَهْي الشَّرْعِ بالتَّفْرِيقِ بَينهما، كما لو أرادَ الإِقَالةَ فيها دونَ وَلَدِها. وقوْلُهم: إنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه. قلْنا: قد انْدفَعَتِ الحاجَةُ بأخْذِ الأرْشِ. أمّا إذا وَلَدَتْ حُرًّا، فلا سَبِيلَ إلى بَيعِه معها بحالٍ. ولو كان المَبِيعُ حَيَوانًا غيرَ الآدَمِيِّ، فحَدَثَ فيه حَمْلٌ عندَ المُشْتَرِي، لم يَمْنَعِ الرَّدَّ بالعَيبِ؛ لأنَّه زِيادَةٌ. وإنْ عَلِمَ بالعَيبِ بعدَ الوَضْعِ، ولم تَنْقُصْهُ الولادَةُ، فله رَدُّ الأُمِّ وإمْسَاكُ الوَلَدِ؛ لأنَّ التَّفْرِيقَ. بينَهما لا يَحْرُمُ. ولا فرْقَ بينَ حَمْلِها قبلَ القَبْضِ وبَعْدَه. ولو اشْثَرَاها حامِلًا، فوَلَدَتْ عندَه، ثم اطَّلَعَ على عَيبٍ فَرَدَّها، رَدَّ الوَلَدَ معها؛ لأنَّه مِن جُمْلَةِ المَبِيعِ، والزِّيَادَةُ فيه نماءٌ مُتَّصِلٌ، فأشْبَهَ ما لو سَمِنَتِ الشّاةُ. وإنْ تَلِفَ الوَلَدُ، فهو كتَعَيُّبِ المَبِيعِ عندَه. فإنْ قلنا: له الرَّدُّ. فعليه قِيمَتُه. وعن أحمدَ، لا قِيمَةَ عليه للوَلَدِ. وحَمَلَ القاضِي كلامَ أحمدَ على أنَّ البائِعَ دَلَّسَ العَيبَ. وإنْ نَقَصَتِ الأمُّ بالولادَةِ، فهو عَيبٌ حادِثٌ، حُكْمُه حُكْمُ العُيُوبِ الحادِثَةِ. ويُمْكِنُ حَمْلُ كلامِ أحمدَ على أنَّه لا حُكْمَ للحَمْلِ. وهو أحَدُ أقْوالِ الشّافِعِيِّ. فعلى هذا، يكونُ الوَلَدُ حِينَئِذٍ للمُشْتَرِي، فلا يَلْزَمُه رَدُّه مع بقَائِه، ولا قِيمَتُه مع التَّلَفِ. والأَوَّلُ أصَحُّ، وعليه العَمَلُ.
(1) في م: «منع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ كان المَبِيعُ كاتِبًا أو صانِعًا، فنَسِيَ ذلك عندَ المُشْتَرِي، ثم وَجَدَ به عَيبًا، فالنِّسْيَانُ عَيبٌ حَادِثٌ، فهو كغَيرِه مِن العُيُوبِ. وعنه، يَرُدُّه، ولا شيءَ عليه. وعَلَّلَه القاضِي بأنَّه ليس بنَقصٍ في العَينِ، ويمكنُ عَوْدُه بالتَّذَكُّرِ. قال: وعلى هذا لو كانَ سَمِينًا، فَهَزَلَ. والقياسُ ما ذَكَرْنَاهُ، فإنَّ الصِّناعَةَ والكِتابَةَ مُتَقَوَّمَةٌ تُضْمَنُ في الغَصْبِ، وتَلْزَمُ بشَرْطِها في البَيعِ، فأشْبَهَتِ الأعْيانَ والمَنافِعَ، مِن السَّمْعِ والبَصَرِ والعَقْلِ، وإمْكانُ العَوْدِ مُنْتَقِضٌ بالسِّنِّ والبَصَرِ والحَمْلِ. وما رُوِيَ عن أحمدَ محمولٌ على ما إذا دَلَّسَ العَيبَ.
فصل: وإذا تَعَيَّبَ المَبِيعُ [في يد](1) البائِعِ بعد العَقْدِ، وكان المَبِيعُ مِن ضَمانِه، فهو كالعَيبِ القَدِيمِ، وإنْ كان مِن ضَمانِ المُشْتَرِي، فهو كالعَيبِ الحادِثِ بعدَ القَبْضِ. فأمّا الحادِثُ بعدَ القَبْضِ، فهو مِن ضمانِ المُشْتَرِي، لا يُثْبِتُ الخِيارَ. وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ، والشافعيِّ. وقال مالِكٌ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثةُ أيّام، فما أصابَهُ فيها فهو مِن مالِ البائِعِ، إلَّا في الجُنُونِ والجُذَام والبَرَصِ، فإنْ تَبَيَّنَ إلى سَنَةٍ ثَبَتَ الخِيارُ؛ لِما رَوَى الحَسَنُ عن عُقْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ عُهْدَةَ الرَّقِيقِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ (2). ولأنَّه
(1) في م: «عند» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب عهدة الرقيق، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 254. وابن ماجه عن سمرة بن جندب، في: باب عهدة الرقيق، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 754. والدارمي، في: باب في الخيار والعهدة، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 251.