الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا، بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُورَثْ. وَيَتَخَرَّجُ أنْ يُورَثَ كَالْأجَلَ.
ــ
فبِوَضْعِ يَدِه عليها للجِمَاعِ، ولَمْسِ فَرْجِها بِفَرْجِه، أوْلَى. وعلى هذا يكونُ ولَدُه منها حُرًّا ثابِتَ النَّسَبِ، ولا يَلْزَمُه قِيمَتُه، ولا مَهْرَ عليه، وتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له. وقال أصْحَابُنَا: إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، فوَلَدُهُ رَقِيق، لا يَلْحَقُه نَسَبُه، وإن لم يَعْلَمْ، لَحِقَه النَّسَب، ووَلَدُه حُرٌّ، وعليه قِيمَتُه يومَ الولادَةِ، وعليه المَهْرُ، ولا تصِيرُ أُمَّ وَلدٍ له؛ لأنَّه وَطِئها في غيرِ مِلكِه.
فصل: ولا بَأْسَ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وقَبْضِ المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيارِ. وهو قولُ أبي حَنِيفَةَ، والشافعيِّ وكَرهَهُ مالِكٌ، قال: لأنَّه في مَعْنَى بَيعٍ وسَلَفٍ إذا أقبَضَه الثَّمَنَ ثم تَفَاسَخَا البَيعَ، صارَ كأَنَّه أقرَضَه إيَّاهُ. ولَنا، أنَّ هذا حُكْمٌ مِن أحْكَامِ البَيعِ، فجازَ في مُدَّةِ الخِيارِ، كالإِجَارَةِ، وما ذَكَرَه لا يَصِحُّ؛ لأنَّنَا لا نُجِيزُ له التَّصَرُّفَ فيه.
1620 - مسألة: (ومَن ماتَ منهما بَطَلَ خِيَارُه، ولم يُورَثْ)
إذا ماتَ أحَدُ المُتَبَايِعَينِ في مُدَّةِ الخِيَارِ، بَطَلَ خِيَارُه في ظاهِرِ المَذْهَبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويَبْقَى خِيارُ الآخَرِ بحالِه، إلَّا أنْ يكونَ المَيِّتُ قد طالبَ بالفَسْخِ قبلَ مَوْتِه، فيكونُ لوَرَثَتِه. وهو قوْلُ الثِّوْرِيِّ، وأبي حَنِيفَةَ. ويَتَخَرَّجُ أنَّ الخِيارَ لا يَبْطُلُ، ويَنْتَقِلُ إلى وَرَثَتِه؛ لِأَنَّه حَقٌّ مالِيٌّ، فيَنْتَقِلُ إلى الوَارِثِ، كالأَجَلِ، وخِيَارِ الرَّدِّ بالعَيبِ. ولأنَّه حَقُّ فَسْخٍ، فيَنْتَقِلُ إلى الوارِثِ، كالفَسْخِ بالتَّحَالُفِ. وهذا قولُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ. ولَنا، أنَّه حَقُّ فَسْخ لا يَجُوزُ الاعْتِياضُ عنه، فلم يُورَثْ كخِيَارِ الرُّجُوعِ في الهِبَةِ.
فَصْلٌ: الثَّالِثُ خِيَارُ الْغَبْنِ. وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ؛ أحَدُهَا، إِذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَاعَ لَهُمْ، فَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا هَبَطُوا السُّوق وَعَلِمُوا أنهُمْ قَدْ غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عَنِ العَادَةِ.
ــ
(فصل: الثالِثُ خِيَارُ الغَبْنِ. ويَثْبُتُ في ثَلاثِ صُوَرٍ؛ أحدُها، إذا تَلَقَّى الرُّكْبانَ فاشْتَرَى منهم [وباعَ لهم] (1)، فلهمُ الخِيَارُ إذا هَبَطُوا السُّوقَ وعَلِمُوا أنَّهُم قد غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عن العَادَةِ) رُوِيَ أنَّهُم كانُوا يَتَلَقَّوْنَ الأجْلَابَ، فيَشْتَرُونَ منهم الأمْتِعَةَ قبلَ أنْ تَهْبِطَ (2) الأسْوَاقَ، فرُبَّما غَبَنُوهم غَبْنًا بَيِّنًا، فيَضُرُّوا بهم، ورُبَّمَا أضَرُّوا بأهْلِ البَلَدِ؛ لأنَّ الرُّكْبَانَ إذا وَصَلُوا باعُوا أمْتِعَتَهُم، والذين يَتَلَقَّوْنَهم لا يَبِيعُونَها سَرِيعًا، ويَتَرَبَّصُونَ بها السِّعْرَ (3)، فهو في مَعْنَى بَيعِ الحاضِرِ للبادِى، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فرَوَى ابنُ عَبّاسٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَلَقَّوُا الرُّكْبانَ، ولا يَبِيعُ حاضِرٌ لبادٍ» . وعن أبي هُرَيرَةَ مثلُه. مُتَّفَقٌ عليهما (4). وكَرِهَهُ
(1) في م: «فباعهم» .
(2)
في م: «يهبطوا» .
(3)
في م: «السعة» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 185.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكْثَرُ العُلَماءِ؛ منهم عمرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ، ومالِكٌ، واللَّيثُ، والأوْزَاعِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسحاقُ. وحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ، أنَّه لم يَرَ بذلك بَأْسًا. وسنَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ أنْ تُتبَّعَ. فإنْ خالفَ وتَلَقَّى الرُّكْبانَ واشْتَرَى منهم، فالبَيعُ صَحِيحٌ في قولِ الجَميعِ. قاله ابنُ عبدِ البَرِّ. وعن أحمدَ، أنَّ البَيعَ باطِلٌ؛ لظاهِرِ النَّهْي. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لِما رَوَى أبو هُرَيرَةَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فمَن تَلَقّاهُ فاشْتَرَى منه، فإذا أتَى السُّوقَ فهو بالخِيَارِ» . رَواة مُسْلِمٌ (1). والخِيارُ لا يكونُ إلَّا في عَقْدٍ صَحِيحٍ، ولأنَّ النَّهْيَ لا لِمَعْنًى في البَيعِ، بل يَعُودُ إلى ضَرْبٍ مِن الخَدِيعَةِ يُمْكِنُ اسْتِدْراكُها بإثْباتِ الخِيارِ، فأَشْبَهَ بَيعَ المُصَرَّاةِ، وفارَقَ بَيعَ الحاضِرِ للبادِي، فإنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُه بالخِيارِ، إذْ ليس الضَّرَرُ
(1) في: باب تحريم تلقي الجلب، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1157.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في التلقي، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 241. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 229. والنسائي، في: باب التلقي، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 226. وابن ماجه، في: باب النهي عن تلقي الجلب، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 735. والدارمي، في: باب النهي عن تلقي البيوع، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 255. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 488.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه، إنَّما هو على المُسْلِمِينَ. إذا تَقَرَّرَ هذا، فللبَائِعِ الخِيارُ إذا عَلِمَ أنَّه قد غُبنَ. وقال أصْحابُ الرَّأْي: لا خِيارَ له. وقد رَوَينَا قَوْلَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في هذا، ولا قولَ لأحَدٍ مع قَوْلِه. وظَاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه لا خِيارَ له إلَّا مع الغَبْنِ؛ لأنَّه إنَّما يَثْبُتُ لأَجْلِ الخَدِيعَةِ، ودَفْعِ الضَّرَرِ عن البائِعِ، ولا ضَرَرَ مع عدَمِ الغَبْنِ. وهذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الشّافِعِيِّ. ويُحْمَلُ إطلاقُ الحَدِيثِ في إثْباتِ الخِيارِ على هذا؛ لِعِلْمِنا بمَعْناه ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ له الخِيارَ إذا أتَى السُّوقَ، فيُفْهَمُ منه أنَّه أشارَ إلى مَعْرِفَتِه بالغَبْنِ في السُّوقِ، ولولا ذلك لَكَانَ الخِيارُ له مِن حينِ البَيعِ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ أنَّ الخِيَارَ يَثْبُتُ له بمُجَرَّدِ الغَبْنِ، وإنْ قَلَّ. والأوْلَى أنْ يَتَقَيَّدَ بما يَخْرُجُ عن العادَةِ؛ لأنَّ ما دُونَ ذلك لا يَنْضَبِطُ. وقال أَصْحَابُ مالِكٍ: إنَّما نُهِيَ عن تَلِّقي الرُّكْبانِ لِما يَفُوتُ به مِن الرِّفْقِ بأَهلِ السُّوقِ؛ لئَلَّا يَنْقَطِعَ عنهم ما لَه جَلَسُوا؛ مِن ابْتِغاءِ فَضْلِ اللهِ تَعالى. قال ابنُ القاسِمِ: فإن تَلَقَّاهَا مُتَلَقٍّ فاشْتَرَاها، عُرِضَتْ على أهْلِ السُّوقِ، فيَشْتَرِكُونَ فيها. وقال اللَّيثُ بنُ سعدٍ: يُباعُ في السُّوقِ. وهذا مُخالِفٌ لمَدْلُولِ الحَدِيثِ؛ فإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الخِيارَ للبائِعِ إذا هَبَطَ السُّوقَ، ولم يَجْعَلُوا له خِيَارًا، وجَعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الخِيَارَ له يَدُلُّ على أنَّ النَّهْيَ عن التَّلَقِّي لِحَقِّه، لا لِحَقِّ غيرِه. ولأَنَّ الجالِسَ في السُّوقِ كالمُتَلَقِّي، في أنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما مُبْتَغ لفَضْلِ اللهِ، ولا يَلِيقُ بالحِكْمَةِ فَسْخُ عَقْدِ أَحَدِهما. وإلحاقُ الضَّرَرِ به، دَفْعًا للضَّرَرِ عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِثْلِه، وليس رِعايَةُ حَقِّ الجالِسِ أوْلَى مِن رِعَايَةِ حَقِّ المُتَلَقِّي، ولا يُمْكِنُ اشْتِراكُ أهْلِ السُّوقِ كُلِّهم في سِلْعَتِه، فلا يُعَرَّجُ على مِثْلِ هذا.
فصل: فإن تَلَقَّاهُم فَباعَهُم شَيئًا، فهو كمَنِ اشْتَرَى منهم، ولهم الخِيَارُ إذا غَبَنَهُم غَبْنًا يَخْرُجُ عن العَادَةِ. وهذا أحَدُ الوَجْهَينِ للشّافِعِيَّةِ. وقالُوا في الآخَرِ: النَّهْيُ عن الشِّراءِ دُونَ البَيعِ، فلا يَدْخُلُ البَيعُ فيه. وهذا مُقْتَضَى قَوْلِ أصْحابِ مالِكٍ؛ لأنَّهُم عَلَّلُوه بما ذَكَرْنا عنهم، ولا يَتَحَقَّقُ ذلك في البَيعِ لهم. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا تَلَقَّوُا الرُّكْبانَ» . والبائِعُ داخِلٌ فيه. ولأنَّ النَّهْيَ عنه لِما فِيه مِن خَدِيعَتِهم وغَبْنِهم، وهذا في البَيعِ كهُوَ في الشِّرَاءِ، والحَدِيثُ قد جاءَ مُطْلَقًا، ولو كان مُخْتَصًّا بالشِّراءِ لأُلحِقَ به ما في مَعْناه، وهذا في مَعْناه.
فصل: فإنْ خَرَجَ لغَيرِ قَصْدِ التَّلَقِّي، فلَقِيَ رَكْبًا، فقال القاضِي: