الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ.
ــ
والأَثْرَمُ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«المُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ في ثلاثٍ؛ في النّارِ والكلَأِ والمَاءِ» . فإنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ. جازَ بَيْعُه، وإنْ قُلْنَا: لا يُمْلَكُ. فصاحِبُ الأرْضِ أحَقُّ به مِن غيرِه؛ لكَوْنِه في مِلْكِه. فإن دَخَلَ غيرُه بغيرِ إذْنِه فأَخَذَه، ملَكَه؛ لأنَّه يُباحُ في الأصْلِ، فأَشْبَهَ ما لو عَشَّشَ في أرْضِه طائِرٌ، أو دَخَلَ إليها صَيْدٌ، أو نَضَبَتْ عن سَمَكٍ، فدَخَلَ إليها دَاخِلٌ، فأَخَذَه.
1565 - مسألة: (إلَّا أنَّه لا يَجُوزُ له الدُّخُولُ إلى مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه)
لأنَّه تَصَرَّفَ في ملكِ الغَيْرِ بغيرِ إذْنِه، أشْبَهَ ما لو دَخَلَ لغيرِ ذلك. (وعنه، يَجُوزُ بَيْعُه) وهذا مَبْنِىٌّ على أنَّه يُمْلَكُ، وقد ذَكَرْنَاهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والخِلافُ في بَيْعِ ذلك إنّما هو قبلَ حِيازَتِه. فأمّا ما يَحُوزُه مِن الماءِ في إنائِه، أو يَأْخُذُه مِن الكَلَأِ في حَبْلِه، أو يحُوزُه في رَحْلِه، أو يَأْخُذُه مِن المعادِنِ، فإنّه يَمْلِكُه بذلك، بغيرِ خِلافٍ بينَ أَهْلِ العِلْمِ؛ فإنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُم حَبْلًا، فيَأْخُذَ حِزْمَةً مِن حَطَبٍ فَيَبِيعَها، فيَكُفَّ بها وَجْهَه، خيرٌ له مِن أن يَسْأَلَ النّاسَ، أُعْطِىَ أو مُنِعَ» . رَواهُ البُخارِىُّ (1). وقد رَوَى أبو عُبَيْدٍ في الأموالِ (2) عن المَشْيَخَةِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الماءِ، إلَّا ما حُمِلَ منه. وعلى ذلك مَضَتِ العادَةُ في الأمْصارِ بِبَيْعِ الماءِ في الزَّوايَا، والحَطَبِ والكَلَأِ مِن غيرِ نكيرٍ، وليس لأَحدٍ أن يَشْرَبَ منه، ولا يَتَوَضَّأَ، ولا يَأْخُذَ إلَّا بإذْنِ مالِكِه؛ لأنّه مِلْكُه. قال أحمدُ: إنّما نُهِىَ عن بَيْعِ فَضْلِ ماءِ البِئْرِ والعُيُونِ في قرارِه. ويَجُوزُ بَيْعُ البِئْرِ نَفْسِها والعَيْنِ، ومُشْتَريها أحَقُّ بمائِها. وقد
(1) في: باب كسب الرجل وعمله بيده، من كتاب البيوع، وفى: باب بيع الحطب والكلأ، من كتاب المساقاة. صحيح البخارى 3/ 75، 149.
كما أخرجه مسلم، في: باب كراهة المسألة للناس، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 721. والترمذى، في: باب ما جاء في النهى عن المسألة، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 193. والنسائى، في: باب المسألة، من كتاب الزكاة. المجتبى 3/ 70. وابن ماجه، في: باب كراهية المسألة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 588. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 167، 2/ 243، 257، 300، 395، 418، 475، 496.
(2)
الأموال 302.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِى أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يَشْتَرِى بئْرَ رُومَةَ، يُوَسِّعُ بها على المُسْلِمِينَ، وله الجَنَّةُ» . أو كما قال. فاشْتَرَاها عثمانُ بنُ عَفّان، رَضِىَ اللَّهُ عنه، مِن يَهُودِىٍّ بأمْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وسَبَّلَها للمسلمين (1). ورُوِىَ أنّ عثمانَ اشْتَرَى منه نِصْفَها باثْنَىْ عَشَرَ أَلْفًا، ثم قال لليَهُودِىِّ: اخْتَرْ؛ إمّا أن تَأْخُذَها يَوْمًا وآخُذَها يَوْمًا، وإمّا أنْ تَنْصِبَ لك عليها دَلْوًا، وأَنْصِبَ عليها دَلْوًا، فاخْتَارَ يَوْمًا ويَوْمًا، فكان النّاسُ يَسْتَقونَ منها في يومِ عثمانَ لليَوْمَيْنِ، فقال اليَهُودِىُّ: أَفْسَدْتَ عَلَىَّ بِئْرِى، فاشْتَرِ باقِيَها. فاشْتَراه بثَمانِيَةِ آلافٍ. وفى هذا دَلِيلٌ على صِحَّةِ بَيْعِها وتَسْبِيلِها، ومِلْكِ ما يَسْتَقِيه منها، وجَوازِ قِسْمَةِ مائِها بالمُهايَأَةِ (2)، وكونِ مالِكِها أحَقَّ بمائِها، وجوازِ قِسْمَةِ ما فيه حَقٌّ وليس بمَمْلُوكٍ.
فصل: فأمّا المَصانِعُ المُتَّخَذَةُ لِمياهِ الأَمْطارِ تَجْتَمِعُ فيها، ونحوُها مِن البِرَكِ وغيرِها، فالأَوْلى أنَّه يُمْلكُ ماؤُها، ويَصِحُّ بَيْعُه إذا كان
(1) أخرجه البخارى تعليقًا، في: باب في الشرب ومن رأى صدقة لماء وهبته، من كتاب المساقاة. صحيح البخارى 3/ 144. والترمذى، في: باب في مناقب عثمان. . .، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 157. والنسائى، في: باب وقف المساجد، من كتاب الأحباس. المجتبى 6/ 195، 196. وبنحوه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 75.
(2)
المهايأة: قسمة الأيام في السقى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْلُومًا؛ لأنَّه مُباحٌ حَصَّلَه بشئٍ مُعَدٍّ له، فمَلَكَه (1)، كالصَّيْد يَحْصُلُ في شَبَكَتِه، والسَّمَكِ في بِرْكَةٍ مُعَدَّةٍ له، ولا يَحِلُّ (2) أخْذُ شئٍ منه بغيرِ إذْنِ مالِكِه. وكذلك إن جَرَى مِن نهرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ ماءٌ إلى بِرْكَةٍ له في أرْضِه، يَسْتَقِرُّ الماءُ فيها لا يَخْرُجُ منها، فحُكْمُه حُكْمُ مِياهِ الأَمْطَارِ تَجْتَمِعُ في البِركَةِ، قِياسًا عليه. واللَّهُ أعْلَمُ.
فصل: وإذا اشْتَرَى ممَّن في مالِه حَلالٌ وحَرام، كالسُّلْطانِ الظالِمِ والمُرَابِى؛ فإن عَلِمَ أنَّ المَبِيعَ مِن حَلالٍ، فهو حَلَالٌ، وإن عَلِمَ أنَّهُ مِن الحَرامِ، فهو حَرَامٌ، ولا يُقْبَلُ قولُ المُشْتَرِى عليه في الحُكْمِ؛ لأنَّ الظاهِرَ أَنّ ما في يَدِ الإِنْسانِ مِلْكُهُ. فإن لم [يَعْلَمْ مِن أيِّهما](3) هو، كُرِه؛ لاحْتِمالِ التَّحْرِيمِ فيه، ولم يَبْطُلِ البَيْعُ؛ لإِمْكانِ الحَلالِ، سَواءٌ قَلَّ الحرامُ أو كَثُرَ. وهذا هو الشُّبْهَةُ، وبقَدْرِ قِلَّةِ الحَرَامِ وكَثْرَتِه، تَكْثُرُ الشُّبْهَةُ وتَقِلُّ. قال أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى أنْ يَأْكُلَ منه؛ وذلك لِما رَوَى النُّعْمانُ بنُ بَشيرٍ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: «الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُما أمورٌ مُشْتَبِهاتٌ، لا يَعْلَمُها كثيرٌ مِنَ النّاسِ، فمَنِ اتَّقَى الشّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لدِينِه وعِرْضِه، ومَن وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحرامَ، كالرّاعِى يَرْعَى حولَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فيه، ألَا وإنَّ لِكُلِّ ملِكٍ حِمًى، ألَا (1) وإنّ حِمَى اللَّهِ مَحارِمُه». مُتَّفَقٌ عليه (2). واللَّفْظُ لمُسْلِمٍ. ولَفْظُ البُخَارِىِّ:«فمَنْ تَرَكَ ما شُبِّهَ (3) عليه، كان لِما اسْتَبَانَ أتْرَكَ، ومَنِ اجْتَرَأَ على ما يَشُكُّ فيه مِن المأْثَمِ، أَوْشَكَ أنْ يواقِعَ ما اسْتَبانَ» . ورَوَى الحَسَنُ بنُ عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«دَعْ ما يَرِيبُك إلى ما لَا يَرِيبُكَ» (4). وهذا مَذْهَبُ الشافِعِىِّ.
(1) زيادة من: ر 1.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب فضل من استبرأ لدينه، من كتاب الإيمان، وفى: باب الحلال بين والحرام بين. . .، من كتاب البيوع. صحيح البخارى 1/ 20، 3/ 69، 70. ومسلم، في: باب أخذ الحلال وترك الشبهات، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1219، 1220.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في اجتناب الشبهات، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 218. والترمذى، في: باب ما جاء في ترك الشبهات، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 198، 199. والنسائى، في: باب اجتناب الشبهات في الكسب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 213. وابن ماجه، في: باب الوقوف عند الشبهات، من كتاب الفتن. سنن ابن ماجه 2/ 1318، 1319. والدارمى، في: باب في الحلال بين والحرام بين، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 245. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 267، 269، 271، 275.
(3)
في م: «اشتبه» .
(4)
أخرجه الترمذى، في: باب حدثنا عمرو بن على، من أبواب صفة القيامة. عارضة الأحوذى 9/ 321. والنسائى، في: باب الحث على ترك الشبهات، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 294. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 112، 153، 200.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَشْكُوكُ فيه على ثَلَاثَةِ أضْرُبٍ؛ ما أصْلُه الحَظْرُ، كالذَّبِيحَةِ في بَلْدَةٍ فيها مَجُوسٌ وعَبَدَةُ أَوْثانٍ يَذْبَحُونَ، فلا يَجُوزُ شِراؤُها، وإنْ جازَ أنْ تكونَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ؛ لأنَّ الأصْلَ التَّحْرِيمُ، فلا يَجُوزُ إلَّا بِيَقِينٍ أو ظاهِرٍ. وكذلك إنْ كان فيها أخْلاطٌ مِن المُسْلِمِينَ والمَجُوسِ، لم يَجُزْ شِراؤُها؛ لذلك. والأصْلُ فيه حَدِيثُ عَدِىِّ بنِ حاِتمٍ:«إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ، فخالَطَ أَكْلُبًا لم يُسَمَّ عليها، فلا تَأْكُلْ، فإنَّكَ لا تَدْرِى أيُّها قَتَلَه» . مُتَّفَقٌ عليه (1). فأمّا إنْ كان ذلك في بَلَدِ الإِسْلامِ، فالظَّاهِرُ إباحَتُها؛ لأنَّ المُسْلِمِينَ لا يُقِرُّونَ في بَلَدِهم بَيعَ ما لا يَحِلُّ بَيْعُه ظاهِرًا.
(1) أخرجه البخارى، في: باب الماء الذى يغسل به شعر الإنسان، من كتاب الوضوء، وفى: باب تفسير المشبهات، من كتاب البيوع، وفى: باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ. . .} ، وباب صيد المعراض، وباب ما أصاب المعراض بعرضه، وباب إذا أكل الكلب. . .، وباب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، وباب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح البخارى 1/ 55، 3/ 70، 71، 7/ 110، 111، 113، 114. ومسلم، في: باب الصيد بالكلاب المعلمة، من كتاب الصيد والذبائح. صحيح مسلم 3/ 1529 - 1531.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبى داود 2/ 97 - 99. والترمذى، في: باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل، وباب ما جاء في الكلب يأكل من الصيد، وباب ما جاء في صيد المعراض، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذى 6/ 253، 257 - 259. والنسائى، في: باب الأمر بالتسمية عند الصيد، وباب النهى عن أكل ما لم يذكر اسم اللَّه عليه، وباب صيد الكلب المعلم، وباب إذا قتل الكلب، وباب إذا وجد مع كلبه كلبا لم يسم عليه، وباب إذا وجد مع كلبه كلبا غيره، وباب الكلب يأكل من الصيد، وباب ما أصاب بعرض من صيد المعراض، وباب ما أصاب بحد من صيد المعراض. المجتبى 7/ 158 - 162، 172. وابن ماجه، في: باب صيد الكلب، وباب صيد المعراض، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1070، 1072. والدارمى، في: باب في صيد المعراض، من كتاب الصيد. سنن الدارمى 2/ 91. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 193 - 195، 256، 257، 377، 380.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّانِى، ما أَصْلُه الإِباحَةُ، كالماءِ يَجدُه مُتَغَيِّرًا، لا يَعْلَمُ بنَجَاسَةٍ تَغَيَّرَ، أو غيْرِها؟ فهو طاهِرٌ في الحُكْمِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ الطَّهَارَةُ، فلا يَزُولُ عنها إلَّا بِيَقِينٍ أو ظاهِرٍ، ولم يوجَدْ واحِدٌ منهما. والأصْلُ في ذلك حَدِيثُ عبدِ اللَّهِ ابنِ زَيْدٍ، رضِىَ اللَّهُ عنه، قال: شُكِىَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إليه في الصَّلَاةِ أنَّه يَجِدُ الشَّئَ، قال:«لا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أو يَجدَ رِيحًا» . مُتَّفَقٌ عليه (1). الثالِثُ، ما لا يُعْرَفُ له أصْلٌ كَرجُلٍ في مالِه حَلالٌ وحَرامٌ، فهذا هو الشُّبْهَةُ التى الأَوْلَى تَرْكُها، على ما ذَكَرْناهُ، وعَمَلًا بما رُوِى عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه وَجَدَ تمْرَةً ساقِطَةً، فقال:«لَوْلا أنِّى أَخْشَى أَنَّها مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها» (2). وهو مِن بابِ الوَرَعَ.
فصل: وكان أحمدُ لا يَقْبَلُ جوائِزَ السُّلْطانِ، ويُنْكِرُ على وَلَدِه وعَمِّه قَبُولَها، ويُشَدِّدُ في ذلك. ومِمَّنْ كان لا يَقْبَلُها؛ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والقاسِمُ، وبُسْرُ (3) بنُ سَعِيدٍ، ومحمدُ بنُ واسِعٍ، والثَّوْرِىُّ، وابنُ
(1) تقدم تخريجه في 2/ 68.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب إذا وجد تمرة في الطريق، من كتاب اللقطة. صحيح البخارى 3/ 164. ومسلم، في: باب تحريم الزكاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 2/ 751. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 317، 3/ 119، 132، 184، 193، 241، 258، 291، 292.
(3)
في م: «وبشْر» . وهو بُسْر بن سعيد المدنى العابد، مولى ابن الحضرمى، تابعى، وكان ثقة، كثير الحديث. مات بالمدينة سنة مائة. تهذيب التهذيب 1/ 437، 438.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُبارَكِ، وكان هذا مِنْهم على سَبِيلِ الوَرَعِ، لا على أَنَّها حَرامٌ، فإنَّ أحمدَ قال: جَوائِزُ السُّلْطانِ أَحَبُّ إلَىَّ مِن الصَّدَقَةِ. وقال: ليس أحَدٌ مِن المُسْلِمِينَ إلَّا وله في هذه الدَّرَاهِمِ نصِيبٌ، فكَيْفَ أَقُولُ إنّها سُحْتٌ. ومِمَّنْ كان يقبلُ جَوائِزَهم ابنُ عمرَ، وابنُ عَبّاسٍ، وعائِشَةُ، وغيرُهم، مثلُ: الحَسَنِ، والحُسَيْنِ، وابنِ جَعْفَرٍ. ورَخَّصَ فيه الحَسَنُ البَصْرِىُّ، ومَكْحُولٌ، والزُّهْرِىُّ، والشّافِعِىُّ. واحْتَجَّ بَعْضُهم بأن النبىَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى مِن يَهُودِىٍّ طَعامًا (1)، وماتَ ودِرْعُه مَرْهُونَةٌ عِنْدَه (2). وأجابَ يَهُودِيًّا دَعاهُ، وأكل مِن طعامِه (3). وقد أخْبَرَ اللَّه تعالى أنَّهم أَكّالُونَ للسُّحْتِ (4). ورُوِىَ عن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنّه قال: لا بَأْسَ
(1) أخرجه البخارى، في: باب شراء النبى صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وباب شراء الإمام الحوائج بنفسه، وباب شراء الطعام إلى أجل، من كتاب البيوع، وفى: باب من رهن درعه، وباب الرهن عند اليهود، من كتاب الرهن. صحيح البخارى 3/ 73، 74، 81، 101، 186، 187. ومسلم، في: باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1226. والنسائى، في: باب الرجل يشترى الطعام إلى أَجل. . .، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 253. وابن ماجه، في: باب حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، من كتاب الرهون. منن ابن ماجه 2/ 815. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 42، 160.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب ما قيل في درع النبى صلى الله عليه وسلم. . .، من كتاب الجهاد، وفى: باب حدثنا قبيصة، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 4/ 49، 50، 6/ 19. والترمذى، في: باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 219. والنسائى، في: باب مبايعة أهل الكتاب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 267. وابن ماجه، في: باب حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 815. والدارمى، في: باب في الرهن، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 259، 260. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 236، 300، 301، 361، 3/ 102، 238، 6/ 453، 457.
(3)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 210، 211، 270.
(4)
إشارة إلى قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} . سورة المائدة 42.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بجَوائِزِ السُّلْطانِ، فإنَّ ما يُعْطِيكُم مِن حَلالٍ أكثرُ مِمّا يُعْطِيكُم مِن الحرامِ. وقال: لا تَسْأْلِ السُّلْطانَ شَيْئًا، وإنْ أعْطَى فخُذْ، فإنَّ ما في بَيْتِ المالِ مِن الحَلالِ أكْثَرُ مِمّا فيه مِن الحَرامِ.
فصل: قال أحمدُ، في مَن معه ثَلَاثةُ دَراهِمَ فيها دِرْهَمٌ حَرامٌ: يَتَصَدَّقُ بالثَّلَاثَةِ، وإنْ كانَ معه مائَتا دِرْهَمٍ، فيها عَشَرَةُ دَراهِمَ حَرامٌ، تَصَدَّقَ بالعَشَرَةِ؛ لأنَّ هذا كثيرٌ وذاكَ قَلِيلٌ. قيلَ له: قال سُفْيَانُ: ما كان دُونَ العَشَرَةِ يُتَصَدَّقُ به، وما كان أكْثَرَ يُخْرجُ. قال: نعم، لا يُجْحَفُ به. قال القاضِى: ليس هذا على سَبِيلِ التَّحْدِيدِ، وإنَّما هو على سَبِيلِ الاخْتِيارِ؛ لأنَّه كُلَّما كَثُرَ الحَلالُ بَعُدَ تناوُلُ الحَرام، وشقَّ التَّوَرُّعُ عن الجَمِيعِ، بخِلافِ القَلِيلِ، فإنَّه يَسْهُلُ إخْراجُ الكلِّ. والواجِبُ في المَوْضِعَين إخراجُ قَدْرِ الحَرام، والباقِى له، وهذا لأنَّ تَحْرِيمَه لم يكُنْ لتَحْرِيمِ عيْنِه، وإنَّما حُرِّمَ لتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِه به، فإذا أخرجَ عِوَضَه زالَ التَّحْرِيمُ، كما لو كان صاحِبُه حاضِرًا فرَضِىَ بعِوَضِه، وسواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا. والوَرَعُ إخْراجُ ما يُتَيَقَّنُ به إخْراجُ عَيْنِ الحَرام، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بإخْرَاجِ الجَمِيعِ، لكنْ لمّا شقَّ ذلك في الكَثِيرَ، تُرِكَ لأجْلِ