الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
السَّادِسُ، أنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ بِرُؤْيَةٍ، أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَتُهُ.
ــ
لغاصِبِه أو لقادِرٍ على أخْذِه منه، جازَ؛ لعَدَمِ الغرَرِ فيه، ولإِمْكانِ قَبْضِه. وكذلك إن باعَ الآبِقَ لقادِرٍ عليه، صَحَّ كذلك، وإنْ ظَنَّ أَنَّه قادِرٌ على اسْتِنْقاذِه مِمّن هو في يَدِه، صَحَّ البَيْعُ. فإن عَجَزَ عن اسْتِنْقاذِه، فله الخِيارُ بينَ الفَسْخِ والإِمْضَاءِ؛ لأنَّ العَقْدَ صَحَّ لكَوْنِه مَظْنُونَ القُدْرَةِ على قَبْضِه، وثَبَتَ له الفَسْخُ؛ للعَجْزِ عن القَبْضِ، فهو كما لو باعَهُ فَرَسًا فشَرَدَتْ قبلَ تَسْلِيمِها، أو غَائِبًا بالصِّفةِ، فَعَجَزَ عن تَسْلِيمِه.
فصل: (السادِسُ، أن يكُونَ مَعْلُومًا؛ برُؤْيةٍ، أو صِفَةٍ تحصُلُ بها
فَإِنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ وَلَم يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِى في السَّلَمِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ، وَلِلْمُشْتَرِى خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
ــ
مَعْرِفَتُه. فإنِ اشْتَرَى ما لِم يَرَهُ ولم يُوصَفْ له، أو رَآهُ ولم يَعْلَمْ ما هو، أو ذُكِرَ له مِن صِفتِه ما لا يَكْفِى في السَّلَمِ، لم يَصِحَّ البَيْعُ. وعنه، يَصِحُّ، وللمُشْتَرِى خيارُ الرُّؤْيَةِ) اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في بَيْع الغائِبِ الذى لم يُوصَفْ، ولم تَتَقدَّمْ رُؤْيَتُه، فالمَشْهُورُ عنه، أنَّه لا يَصِحُّ بَيْعُه. وبهذا قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَسَنُ، والأوْزَاعِىُّ، ومالِكٌ، وإسحاقُ. وهذا أحَدُ قَوْلَى الشَّافعىِّ. وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه يَصِحُّ. وهو مَذْهَبُ أبى حَنِيفَةَ، والقَوْلُ الثَّانِى للشافِعِىِّ. واحْتَجَّ مَن أجَازَه بعُمُومِ قولِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1). وبما رُوِى عن عثمانَ، وطَلْحَةَ، أنَّهُما تَبَايَعَا دَارَيْهِما؛ إحداهُما بالكُوفَةِ، والأُخْرَى بالمَدِينَةِ، فقيلَ لعُثْمانَ: إنَّكَ قد غُبِنْتَ. فقال: ما أُبالِى؛ لأنِّى (2) بِعْتُ ما لم أرَهُ. وقيل لطَلْحَةَ، فقال: لِيَ الخِيارُ؛ لأنَّنِى اشْتَرَيْتُ ما لم أرَهُ. فَتَحَاكَمَا إلى جُبَيْرٍ (3)، فَجَعَلَ الخِيارَ لطَلْحَةَ (4). وهذا اتِّفاقٌ منهم على صِحَّةِ البَيْعِ. ولأنَّه عقدُ مُعَاوَضَةٍ، فلم تَفْتَقِرْ صِحَّتُه إلِى رُؤْيَةِ المَعْقُودِ عليه، كالنِّكَاحِ. ولَنا، ما رُوِى عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه نهَى عن بَيْعِ الغَرَرِ. رَواهُ مُسْلِمٌ (5). ولأنَّه باعَ ما لم يَرَهُ ولم يُوصَفْ له، فلم يَصِحَّ، كبَيْعِ النَّوَى في التَّمْرِ، ولأنَّه
(1) سورة البقرة 275.
(2)
في م: «أنى» .
(3)
هو جبير بين مطعم بن عدي القرشى النوفلى الصحابى، كان ممن يتحاكم إليه، وتوفى سنة ست وخمسين. تهذيب التهذيب 2/ 63.
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب من قال يجوز بيع العين الغائبة، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 268.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 90.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيْعٌ، فلم يَصِحَّ مع الجَهْلِ بصِفَةِ المَبِيعِ، كالسَّلَمِ، والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بما ذكَرْناه مِن الأصْلِ. وأمّا حَدِيثُ عثمانَ وطَلْحَةَ، فَيَحْتَمِلُ أنَّهما تَبَايَعَا بالصِّفَةِ، ومع ذلك فهو قَوْلُ صَحابِىٍّ، وقد اخْتُلِفَ في كَوْنِه حُجَّةً، ولا يُعَارَضُ به حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، والنِّكاحُ لا يُقْصَدُ منه المُعاوَضَةُ، ولا يَفْسُدُ بفَسَادِ العِوَضِ، ولا بتَركِ ذِكْرِه، ولا يَدْخُلُه شئٌ مِن الخِيارَاتِ، وفى اشْتِراطِ الرُّؤْيَةِ مَشَقَّةٌ على المُخَدَّرَاتِ، وإضْرَارٌ بهِنَّ، ولأَنَّ الصِّفاتِ التى تُعْلَمُ بالرُّؤْيَةِ ليست هى المَقْصُودَةَ بالنِّكَاحِ، فلا يَضُرُّ الجَهْلُ بها، بخِلافِ البَيْعِ. فإن قيل: فقد رُوِى عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَه، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» (1). والخِيَارُ لا يَثْبُتُ إلَّا في عَقْدٍ صَحِيحٍ. قُلْنا: هذا يَرْوِيه عمرُ بنُ إبراهيمَ الكُرْدِىُّ، وهو مَتْرُوكُ الحَدِيثِ (2). ويَحْتَمِلُ أنَّه بالخِيارِ بينَ العَقْدِ عليه وتَرْكِه.
(1) أخرجه البيهقى، في: الموضع السابق. والدارقطنى، في: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى 3/ 4. وانظر: تلخيص الحبير 3/ 6.
(2)
وانظر: ميزان الاعتدال 3/ 179.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلى هذا، يُشْتَرطُ رُؤْيَةُ ما هو مَقْصُودٌ بالبَيْعِ، كداخِلِ الثَّوْبِ، وشَعَرِ الجارِيَةِ، ونحوِهما. فلو باعَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا، أو عَيْنًا حاضِرَةً لا يُشَاهَدُ منها ما يَخْتَلِفُ الثمَنُ لأجْلِهِ، كان كبَيْعِ الغائِبِ. فإن قُلْنا بصِحَّةِ بَيْعِ الغائِبِ، فللمُشْتَرِى الخيارُ في أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. وهو قولُ أبى حَنِيفَةَ. ويَثْبُتُ الخِيارُ عندَ رُؤْيَةِ المَبِيعِ في الفَسْخِ والإِمْضاءِ، ويكونُ على الفَوْرِ، فإنِ اخْتَارَ الفَسْخَ انْفَسَخَ العَقْدُ، وإن لم يَخْتَرْ، لَزِمَ العَقْدُ؛ لأنَّ الخِيارَ خِيارُ الرُّؤْيَةِ، فوَجَبَ أن يكونَ عندَها. وقيلَ: يَتَقَيَّدُ بالمَجْلِسِ. وإنِ اخْتَارَ الفَسْخَ قبلَ الرُّؤْيَةِ انْفَسَخَ؛ لأنَّ العَقْدَ غيرُ لازِمٍ في حَقِّه، فملَكَ الفَسْخَ، كحالَةِ الرُّؤْيَةِ. وإنِ اخْتارَ إمْضاءَ العَقْدِ، لم