الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ في الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، إلا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَةُ الْمَبِيعِ. وَإنْ تَصَرَّفَا بِبَيعٍ، أَوْ هِبَةٍ، وَنحْوهِمَا،
ــ
لا حُكْمَ له؛ لأنَّه جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بالأُمِّ، فلم يأخُذْ قِسْطًا مِن الثَّمَنِ، كأطْرَافِها. ولَنا، أنَّ كُلَّ ما يُقَسَّطُ عليه الثَّمَنُ إذا كان مُنْفَصِلًا، يُقَسَّطُ عليه إذا كان مُتَّصِلًا، كاللَّبَنِ. وما قَالُوه يَبْطُلُ بالجُزْءِ المُشاعِ، كالثُّلُثِ، والرُّبْعِ، والحُكْمُ في الأصْلٍ مَمْنُوعٌ، ثم يُفارِقُ الحَمْلُ الأطْرَافَ؛ لأنَّهُ يَئُولُ إلى الانْفِصالِ، ويُنْتَفعُ به مُنْفَصِلًا، ويَصِحُّ إفْرَادُه مُنْفَصِلًا، والوَصِيَّةُ به، وله، ويَرِثُ إنْ كان مِن أهْلِ المِيرَاثِ، ويُفْرَدُ بالدِّيَةِ، ويَرِثُها وَرَثَتُه. وقَوْلُهم: لا حُكْمَ للحَمْلِ. لا يَصِحُّ لهذه الأحْكَام وغيرِها مِمّا قد ذَكَرْنَاهُ.
1613 - مسألة: (وليس لواحِدٍ منهما التَّصَرُّفُ في المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ، إلَّا بما يَحْصُلُ به تَجْرِبَةُ المَبِيعِ)
إنَّما لم يَجُزْ لواحِدٍ منهما التَّصَرُّف في المَبِيعِ في مُدّةِ الخِيارِ؛ لأنَّه ليس بِملكٍ للبائِعِ، فيَتَصَرَّف فيه، ولا انْقَطَعَتْ عنه غَلَّتُه، فَيَتَصَرَّفَ فيه المُشْتَرِي. فأمّا تَصَرُّفُه بما يَحْصُلُ به تَجْرِبَةُ المَبِيعِ، كرُكُوبِ الدَّابَّةِ؛ ليَنْظُرَ سَيرَها، والطَّحْنِ على الرَّحَى؛ ليَعْلَمَ قَدْرَ طَحْنِها، وحَلْبِ الشّاةِ؛ لِيَعْلَمَ قَدْرَ لَبَنِها، ونحو ذلك، فَيَجوزُ؛ لأنَّ ذلك هو المَقْصُودُ بالخِيَارِ، وهو اخْتِبارُ المَبِيعِ.
1614 - مسألة: (فإنْ تَصَرَّفَا فيه بِبَيعٍ، أو هِبَةٍ، أو نَحْوهما
،
لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا.
ــ
لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُهما) إذا تَصَرَّفَ أحَدُ المُتَبَايِعَينِ في مُدَّةِ الخِيَارِ في المَبِيعِ تَصَرُّفًا يَنْقُلُ المِلْكَ؛ كالبَيعِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، أو يَشْغَلُهُ (1)؛ كالإِجَارَةِ، والتَّزْويجِ، والرَّهْنِ، والكِتابَةِ، ونحوها، لم يَصِحَّ تَصَرُّفُه، إلا العِتْقَ، على ما نَذكُرُه، سَواءٌ وُجِدَ تَصَرُّفٌ مِن البائِعِ أو المُشْتَرِي؛ لأنَّ البائِعَ تَصَرَّفَ في غيرِ مِلْكِه، والمُشتَرِي يُسْقِطُ حَقَّ البائِع مِن الخِيَارِ واسْتِرْجَاعِ المَبِيعِ، فلم يَصِحَّ تَصَرُّفُه فيه، كالتَّصَرُّفِ في الرَّهْنِ، إلَّا أن يكونَ الخِيَارُ للمُشْتَرِي وَحْدَه، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُه، ويَبْطُلُ خِيَارُه؛ لأنَّه لا حَقَّ لغَيرِه فيه، وثُبُوتُ الخِيَارِ له لا يَمْنَعُ تَصَرُّفَه فيه، كالمَعِيبِ. قال أحمدُ: إذا اشْتَرَطَ الخِيارَ، فباعَهُ قبلَ ذلك بِرِبْحٍ، فالرِّبْحُ للمُبْتَاعِ؛ لأنَّه قد وَجَبَ عليه حينَ عَرَضَه. يعني بَطَلَ خِيارُه، ولَزِمَه. وهذا فيما إذا اشْتَرَطَ الخِيَارَ له وَحْدَه، وكذلك إذا قُلنا: إنَّ البَيعَ لا يَنْقُلُ المِلْكَ. وكان الخِيَارُ لهما، أو للبائِعِ وحْدَه، فتَصَرَّفَ فيه البائِعُ، نَفَذَ تَصَرُّفُه، وصَحَّ؛ لأنَّه مِلْكُه، وله إبْطَالُ خِيارِ غَيرِه. وقال ابنُ أبِي
(1) في م: «يستغله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُوسَى: في تَصَرُّفِ المُشْتَرِي في المَبِيعِ قبلَ التَّفَرُّقِ بِبَيعٍ أو هِبَةٍ روايتان؛ إحْدَاهُما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ في صِحَّتِه إسْقاطَ حَقِّ البائِعِ مِن الخِيَارِ. والثانيةُ، هو مَوْقُوفٌ؛ فإنْ تَفَرَّقَا قبلَ الفَسْخِ، صَحَّ، وإنِ اخْتَارَ البائِعُ الفَسْخَ، بَطَلَ بَيعُ المُشْتَرِي. قال أحمدُ في رِوَايَةِ أبِي طالِبٍ: إذا اشْتَرَى ثَوْبًا بِشرْطٍ، فَبَاعَه بِرِبْحٍ قبلَ انْقِضَاءِ الشَّرْطِ، يَرُدُّه إلى صاحِبِه إنْ طَلَبَه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن لم يَقْدِرْ على رَدِّه، فللبَائِعِ قِيمَةُ الثَّوْبِ؛ لأنَّه اسْتَهْلَكَ ثَوْبَه، أو يُصَالِحُه. فقَوْلُه: يَرُدُّه إنْ طَلَبَه. يَدُلُّ على أنَّ وجُوبَ رَدِّهِ مَشْرُوطٌ بطَلَبه. وقد رَوَى البُخَارِيُّ (1)، عن ابنِ عمرَ، أنّه كان مع رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فكان على بَكْرٍ (2) صَعْبٍ لعمرَ، فكان يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فيقولُ له أبوه: لا يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أحَدٌ. فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِعْنِيهِ» . فقال عمرُ: هو لَكَ. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هُوَ لَكَ يا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ به مَا شِئْتَ» . وهذا يَدُلُّ على التَّصَرُّفِ قبلَ التَّفَرُّقِ. والأوَّلُ أصَحُّ، وحَدِيثُ ابنِ عمرَ ليس فيه تَصْرِيحٌ بالبَيعِ، فإنَّ قولَ عمرَ: هو لَكَ. يَحْتَمِلُ (3) أنَّه أرادَ هِبَتَه، وهو الظاهِرُ، فإنَّه لم يَذْكُرْ ثَمَنًا، والهِبَةُ لا يَثْبُتُ فيها الخِيَارُ. وقال الشّافِعِيُّ: تَصَرُّفُ البائِعِ في المَبِيعِ بالبَيعِ والهِبَةِ ونحوهما صَحِيحٌ؛ لأنَّه إمّا أنْ يكونَ على مِلْكِه،
(1) في: باب إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا. . .، من كتاب البيوع، وفي: باب كيف يقبض العبد المتاع، وباب من أهدى له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق،. .، وباب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكب فجائز، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 85، 209، 212، 213.
(2)
البكر: الفتيُّ من الإبل.
(3)
في م: «يحمل على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَمْلِكُ العَقْدَ عليه، وإمّا أنْ يكونَ للمُشْتَرِي، والبائِعُ يَمْلِكُ فَسْخَه. فجَعَلَ البَيعَ والهِبَةَ فَسْخًا. وأمّا تَصَرُّفُ المُشْتَرِي، فلا يَصِحُّ إذا قُلْنا: المِلْكُ لغَيرِه. وإن قُلْنا: المِلْكُ له. ففي صِحَّةِ تَصَرُّفِه وَجْهانِ. ولَنا، على إبْطَالِ تَصَرُّفِ البائِعِ، أنَّه تَصَرُّفٌ في مِلْكِ غَيرِه بغَيرِ ولايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، ولا نِيابَةٍ عُرْفِيَّةٍ، فلم يَصِحَّ، كما بعدَ الخِيَارِ، وقَوْلُهم: يَمْلِكُ الفَسْخَ. قُلْنا: إلَّا أنَّ ابْتِداءَ التَّصَرُّفِ لم يُصَادِفْ مِلْكَه، فلم يَصِحَّ، كتَصَرُّفِ الأَبِ فيما وَهَبَه لوَلَدِه قبلَ اسْتِرْجاعِه، وتَصَرُّفِ الشَّفِيعِ في الشِّقْصِ المَشْفُوعِ قبلَ أخْذِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ تَصَرَّفَ المُشْتَرِي بإذْنِ البائِعٍ، أو البائِعُ بوَكالةِ المُشْتَرِي، صَحَّ التَّصَرُّفُ، وانْقَطَعَ خِيَارُهما؛ لأنَّه يَدُلُّ على تَرَاضِيهِما بإمْضَاءِ البَيعِ، فَيَنْقَطِعُ به خِيَارُهما، كما لو تَخَايَرَا. وإنَّما صَحَّ تَصَرُّفُهما؛ لأنَّ قَطْعَ الخِيارِ حَصَل بالإِذْنِ في البَيعِ، فَيَقَعُ البَيعُ بعْدَ انْقِطاعِ الخِيارِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَصِحَّ تَصَرُّفُ البائِعِ بإذْنِ المُشْتَرِي؛ لأنَّ البائِعَ لا يَحْتَاجُ إلى إذْنِ المُشْتَرِي في اسْتِرْجاعِ المَبِيعِ، فَيَصِيرُ كتَصَرُّفِه بغيرِ إذْنِ المُشْتَرِي. وقد ذَكَرْنا أنَّه لا يَصِحُّ، كذا ها هنا. وكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّ تَصَرُّفَ البائِعِ لا يَنْفُذُ، ولكنْ يَنْفَسِخُ به البَيعُ. فإنَّه مَتَى أعادَ ذلك التَّصَرُّفَ، أو تصَرَّفَ تَصَرُّفًا سِواهُ، صَحَّ؛ لأنَّ المِلْكَ عادَ إليه بفَسْخِ البَيعِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُه فيه، كما لو فَسَخَ البَيعَ بصَرِيحِ قَوْلِه، ثم تَصَرَّفَ فيه، إلَّا إذا قُلْنَا: إنَّ تَصَرُّفَهُ لا يَنْفسِخُ به البَيعُ. وكذَلك إنْ تَقَدَّمَ تَصَرُّفُه