الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، نَفَذَ عِتْقُهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا. وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ. وَعَنْهُ، لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ، وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرّجُوعُ بِالْقِيمَةِ.
ــ
قَبَّلَتِ البائِعَ. ولأنَّ الخِيَارَ له، لا لها، فلو ألزمْناه بفِعْلِها، لألزَمْناه بغيرِ رِضاه، ولا دَلالةَ عليه، بخِلافِ ما إذا قَبَّلَها، فإنَّه يَدُلُّ على الرِّضَا بها. ومتى بَطَلَ خِيارُ المُشْتَرِي بِتَصَرُّفِه، فَخِيارُ البائِعِ باقٍ بحالِه؛ لأنَّ خِيارَه لا يَبْطُلُ برِضَا غَيرِه، إلَّا أنْ يكونَ تَصَرَّفَ بإذْنِ البائِعِ، وقد ذَكَرْناهُ.
1616 - مسألة: (وإنْ أعْتَقَه المُشْتَرِي، نَفَذَ عِتْقُه، وبَطَلَ خِيارُهما. وكذلك إنْ تَلِفَ المَبِيعُ. وعنه، لا يَبْطُلُ خِيارُ البائِعَ، وله الفَسْخُ والرُّجُوعُ بالقِيمَةِ)
إذا تَصَرَّفَ أَحَدُ المُتَعاقِدَينِ بعِتْقِ المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ، نَفذَ عِتْق مَنْ حَكَمْنَا بالمِلْكِ له. وظاهِر المَذْهَبِ أنَّ المِلْكَ للمُشْتَرِي، فَيَنْفُذُ عِتْقُه، سواءٌ كان الخِيَارُ لهما، أو لأحَدِهما؛ لأنَّه عِتْقٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن مالِكٍ جائِزِ التَّصَرُّفِ، فَنَفَذَ، كما بعدَ المُدَّةِ. وقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا عِتْقَ فيما لا يَمْلِكُ ابنُ آدَمَ» (1). يَدُلُّ بمَفْهُومِه على أنَّه يَنْفُذُ في المِلْكِ، ومِلْكُ البائِعِ الفَسْخَ لا يَمْنَعُ نُفُوذَ العِتْقِ مِن المُشْتَرِي، كما لو باعَ عَبْدًا بجارِيَةٍ مَعِيبَةٍ (2)، فإنَّ عِتْقَ المُشْتَرِي يَنْفُذُ، مع أنَّ للبائِعِ الفَسْخَ. ولو وَهَبَ رَجُلٌ ابْنَه عَبْدًا، فأعْتَقَه، نَفَذَ عِتْقُه مع مِلْكِ الأبِ اسْتِرْجاعَه. ولا يَنْفُذُ عِتْقُ البائِعِ في ظاهِرِ المَذْهَبِ. وقال أبو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ: يَنْفُذُ عِتْقُه؛ لأنَّه مِلْكُه، وإنْ كان المِلْكُ انْتَقَلَ، فإنَّه يَسْتَرْجِعُه بالعِتْقِ. ولَنا، أنَّهُ إعْتَاقٌ مِن غيرِ مالِكٍ، فلم يَنْفُذْ، كعِتْقِ الأَبِ عَبْدَ ابْنِه الذي وَهَبَه إيَّاهُ، وقد دَلَلْنا على أنَّ المِلْكَ انْتَقَلَ إلى المُشْتَرِي. وإنْ قُلْنَا بالرِّوَايَةِ الأُخْرَى، وأنَّ المِلْكَ لم يَنْتَقِلْ إلى المُشْتَرِي نَفَذَ (3) عِتْقُ البائِع دُونَ المُشْتَرِي. وإنْ أَعتَقَ البائِعُ والمُشْتَرِي جَمِيعًا، فإنْ تَقَدَّمَ عِتْقُ المُشْتَرِي، فالحُكْمُ على ما ذَكَرْناه، وإنْ تَقَدَّمَ عِتْقُ البائِعِ، فَيَنْبَغِي أنْ لا يَنْفُذَ عِتْقُ واحِدٍ منهما؛ لأنَّ البائِعَ لم يَنْفُذْ عِتْقُه، لكَوْنِه أَعْتَقَ غيرَ مَمْلُوكِه، ولكنْ حَصَلَ بإعْتَاقِه فَسْخُ البَيعِ واسْتِرْجَاعُ العَبْدِ، فلم يَنْفُذ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الطلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 506. والترمذي، في: باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذي 5/ 147. وابن ماجه، في: باب لا طلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 660. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 190.
(2)
في ر ا، ق:«معينة» .
(3)
في ر ا، ق:«بعد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عِتْقُ المُشْتَرِي. ومتى أعادَ البائِعُ الإِعْتَاقَ مَرَّةً ثانِيَةً، نَفَذَ إعْتَاقُه؛ لأنَّه عادَ العَبْدُ إليه، أشْبَهَ ما لو اسْتَرْجَعَه بصَرِيحِ قَوْلِه، إلَّا على الرِّوَايَةِ التي تقولُ: إنَّ تَصَرُّفَ البائِعِ لا يكُونُ فَسْخًا للبَيعِ. فيَنْبَغِي أنْ يَنْفُذَ إعتاقُ المُشْتَرِي. ولو اشْتَرَى مَن يَعْتِقُ عليه: جَرَى مَجْرَى إعْتَاقِه بصَرِيحِ قَوْلِه، وقد ذَكَرْنا حُكْمَه. وإنْ باعَ عَبْدًا بجَارِيَةٍ، بشرْطِ الخِيارِ، فأعْتَقَهما (1)، نَفَذ عِتْقُ الأَمَةِ دونَ العَبْدِ. وإنْ أَعْتَقَ أحَدَهما، ثم أعْتَقَ الآخَرَ، نَظَرْتَ؛ فإنْ أَعْتَقَ الأَمَةَ أَوَّلًا، نَفَذَ عِتْقُها، وبَطَلَ خِيَارُه، ولم يَنْفُذْ عِتْقُ العَبْدِ. وإنْ أعْتَقَ العَبْدَ أوَّلًا انْفَسَخِ البَيعُ، ورَجَعَ إليه العَبْدُ، ولم يَنْفُذْ إعْتَاقُه. ولا يَنْفُذُ عِتْقُ الأَمَةِ؛ لأنَّها خرَجَتْ بالفَسْخِ عن مِلْكِه، وعادَتْ إلى سَيِّدِها الذي باعَها.
فصل: وإذا قال لعَبْدِه: إذا بِعْتُكَ فأنت حُرٌّ. ثم باعَه، صارَ حُرًّا. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الحَسَنُ، وابنُ أبي لَيلَى، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ. وسَواءٌ شَرَطَا الخِيارَ، أو لم يَشْرُطَاهُ. وقال أبو حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيُّ: لا يَعْتِقُ؛ لأنَّه إذا تَمَّ بَيعُه، زال مِلْكُه عنه، فلم يَنْفُذْ إعْتَاقُه له. ولَنا، أنَّ زَمَنَ انْتِقَالِ المِلْكِ زَمَنُ الحُرِّيَّةِ؛ لأنَّ البَيعَ سَبَب لنَقْلِ المِلْكِ، وشَرْطٌ للحُرِّيَّةِ، فيَجِبُ تَغْلِيبُ الحُرِّيَّةِ، كما لو قال لعَبْدِه: إذا مِتُّ فأَنْتَ حُرٌّ.
(1) في م: «فأعتقها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه عَلَّقَ حُرِّيَّتَه على فِعْلِه للبَيعِ، والصادِرُ منه في البَيعِ إنَّما هو الإِيجابُ، فمتى قال للمُشْتَرِي: بِعْتُكَ. فقد وُجِدَ شَرْطُ الحُرِّيَّةِ، فيَعْتِقُ قبلَ قَبُولِ المُشْتَرِي. وعَلَّلَهُ القاضِي، بأَنَّ الخِيارَ ثابِتٌ في كُلِّ بَيعٍ، فلا يَنْقَطِعُ تَصَرُّفُه فيه. فعلىِ هذا لو تَخَايَرا، ثم باعَهُ، لم يَعْتِقْ. ولا يَصِحُّ هذا التَّعْلِيلُ على مَذْهَبِنا؛ لأَنَّنَا قد ذَكَرْنا أنَّ البائِعَ لو أعْتَقَ في مُدَّةِ الخِيارِ، لم يَنْفُذْ إعْتاقُه.
فصل: وإذا أعْتَقَ المُشْتَرِي العَبْدَ، بَطَلَ خِيَارُهُ وخِيارُ البائِعِ. وهذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ [وأبي بَكْرٍ](1)، كما لو تَلِفَ المَبِيعُ، على ما نَذْكُرُه. وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه لا يَبْطُلُ خِيارُ البائِعَ؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«البَيِّعَانِ بالخِيارِ ما لم يَتَفَرَّقَا» (2). فعلى هذه الرِّوَايَةِ له الفَسْخُ والرُّجُوعُ بالقِيمَةِ يومَ العِتْقِ.
فصل: وإنْ تَلِفَ المَبِيعُ في مُدَّةِ الخِيارِ، فلا يَخْلُو، إمّا أن يكُونَ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ القَبْضِ، أو بعدَه، فإن كان قبلَ القَبْضِ، وكان مَكِيلًا، أو مَوْزُونًا، انْفَسَخَ البَيعُ، وكان مِن مالِ البائِعِ، ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا، إلَّا أن يُتْلِفَه المُشْتَرِي، فيكونَ مِن ضَمَانِه، ويَبْطُلَ خِيَارُه. وفي خِيارِ البائِع رِوَايَتانِ. وإنْ كان المَبِيعُ غيرَ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، ولم يَمْنَعِ البائِعُ المُشْتَرِيَ مِن قَبْضِه، فظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه مِن ضَمَانِ المُشْتَرِي، ويكونُ كَتَلَفِه بعدَ القَبْضِ. وأمّا إن تَلِفَ. المَبِيعُ بعد القَبْضِ في مُدَّةِ الخِيارِ، فهو مِن ضَمانِ المُشْتَرِي، ويَبْطُلُ خِيارُه. وفي خِيارِ البائِعِ رِوَايَتَانِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إحْدَاهُما، يَبْطُلُ. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وأبي بَكْرٍ؛ لأنَّه خِيارُ فَسْخٍ، فبَطَلَ بتَلَفِ المَبِيعِ، كخِيَارِ الرَّدِّ بالعَيبِ إذا تَلِفَ المَعِيبُ. والثانِيَة، لا يَبْطُلُ، وللبائِعِ الفَسْخُ، ويُطَالِبُ المُشْتَرِيَ بقِيمَتِه، أو مِثْلِه إن كان مِثْلِيًّا. اخْتَارَها القَاضِي، وابنُ عَقِيلٍ؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«البَيِّعَانِ بالخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا» . ولأنَّه خِيارُ فَسْخٍ، فلم يَبْطُلْ بتَلَفِ المَبِيعِ، كما لو اشْتَرَى ثَوْبًا بثَوْبٍ، فتَلِفَ أحَدُهُما، ووَجَدَ الآخرُ بالثَّوْبِ عَيبًا، فإنَّه يَرُدُّه، ويَرْجِعُ بقِيمَةِ ثَوْبِه، كذا ها هنا.