الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَال الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَه. وَقَال الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ. وَالثَّمَنُ عَينٌ، جُعِلَ بَينَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ
ــ
يذَلَ له (1) ثمنَه؛ لاعْتِرافِه بِبَيعِه، وإنْ لم يُعْطِه ثَمَنَه، فله فَسْخُ البَيعِ واسْتِرْجاعُه؛ لتَعَذُّرِ الثَّمَنِ عليه، فملَكَ الفَسْخَ، كما لو أَفْلَسَ المُشْتَرِي. وإن أقامَ كلُّ واحِدٍ منهما بَيِّنَةً بدَعْواهُ، ثَبَتَ العَقْدَانِ (2)؛ لأَنَّهما لا يَتَنافَيَانِ، فأَشْبَهَ ما لو ادَّعَى أحَدُهما البَيعَ فيهما جَمِيعًا، وأنْكَرَه الآخَرُ. وإن أقامَ أحَدُهما بَيِّنَةً دونَ الآخَرِ، ثَبَتَ ما قامَتْ عليه البَيِّنَةُ دونَ الآخَرِ.
1666 - مسألة: (وإنْ قال البائِعُ: لا أُسَلِّمُ المَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَه. وقال المُشْتَرِي: لا أُسَلِّمُهُ حتى أقْبِضَ المَبِيعَ)
وكان الثَّمَنُ
(1) سقط من: م.
(2)
في ر 1: «العقد» .
مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيهِمَا.
ــ
عَينًا أو عَرْضًا (جُعِلَ بينهما عَدْلٌ يَقْبِضُ منهما ويُسَلِّمُ إليهما) لأنَّ حَقَّ البائِع قد تَعَلَّقَ بعَينِ الثَّمَنِ، كما تَعَلَّقَ حَقُّ المُشْتَرِي بعَينِ المَبِيعِ، فاسْتَوَيَا، وقد وَجَبَ لكُلِّ واحِدٍ منهما على الآخَرِ حَقُّ قد اسْتَحَقَّ قَبْضَه، فأُجْبِرَ كُلُّ واحِدٍ منهما على إيفاءِ صاحِبِه حَقَّهُ. وهذا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وأحَدُ أقوالِ الشّافِعِيِّ. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ البائِعَ يُجْبَرُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ أوَّلًا. وهو قَوْلٌ ثانٍ للشَّافِعِيِّ. والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لما ذَكَرْنا. وقال أبو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ: يُجْبَرُ المُشْتَرِي على تَسْلِيمِ الثمَنِ؛ [لأنَّ للبائِعِ حَبْسَ المَبيعِ على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فلم يَكُنْ عليه التَّسْلِيمُ](1) قبلَ الاسْتِيفَاءِ، كالمُرْتَهِنِ. ولَنا، أنَّ تَسْلِيمَ المَبِيعِ يَتَعَلَّقُ به اسْتِقْرَارُ البَيعِ وتَمامُه، فكان تَقْدِيمُه أوْلَى، ويُخالِفُ الرَّهْنَ، فإنَّه لا يَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَةُ عَقْدِ الرَّهْنِ،
(1) سقط من: م.
وَإنْ كَانَ دَينًا، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيم الثَّمَنِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا.
ــ
والتَّسْلِيمُ ها هنا يَتَعَلَّقُ به مَصْلَحَة عَقْدِ البَيعِ (وإن كان دَينًا، أُجْبِرَ البائِعُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ، ثم أُخْبِرَ المُشْتَرِي على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ) لأَنَّ حَقَّ المُشْتَرِي تَعَلَّقَ بعَينِ المَبِيع، وحَقَّ البائِعِ تَعَلَّقَ بالذِّمَّةِ، وتَقْدِيمُ ما تَعَلَّقَ بالعَينِ أوْلَى؛ لتَأَكُّدِه، ولذلك (1) يُقَدَّمُ الدَّين الذي به الرَّهْن على ما في الذِّمَّةِ، وكذلك يقَدَّمُ (2) أرْشُ الجِنَايَةِ على الدَّينِ؛ لذلك. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يُجْبَر المُشْتَرِي أوَّلًا على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، كالمسألةِ قبلها، وقد ذَكَرْنا ما يَدُلُّ على خِلافِه. إذا ثَبَتَ هذا وأوْجَبْنَا على البائِعِ التَّسْلِيمَ، فسَلَّمَ، فإنْ كان المُشْتَرِى مُوسِرًا والثَّمَن حاضِرًا،
(1) في ق، م:«كذلك» .
(2)
في م: «تقديم» .
وَإنْ كَانَ غَائِبًا بَعِيدًا، أَو الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا، فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَ في الْبَلَدِ، حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي في مَالِه كُلِّه حَتَّى يُسَلِّمَهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ قَرِيبًا، احْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، واحْتَمَلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي.
ــ
أُجْبِرَ على تَسْلِيمِه (وإنْ كان) الثَّمَنُ (غائِبًا) عن البَلَدِ في مَسَافَةِ القَصْرِ (أو) كان (المُشْتَرِي مُعْسِرًا، فللبائِعِ الفَسْخُ) لأنَّ عليه ضَرَرًا في تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، فكان له الفَسْخُ والرُّجُوعُ في عَينِ مالِه، كالمُفْلِسِ (وإنْ كان) الثَّمَنُ (في) بَيتِه أو (بَلَدِه، حُجِرَ على المُشْتَرِي في) المَبِيعِ وسائِرِ (مالِه حتى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ) لئَلَّا يَتَصَرَّفَ في مالِه تَصَرُّفًا يَضُرُّ بالبائِعِ (وإن كان غائِبًا عن البلَدِ قريبًا) دونَ مَسافَةِ القَصْرِ (فللبَائِعِ الفَسْخُ) في أحَدِ الوَجْهَينِ؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا في تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، أشْبَهَ المُفْلِسَ. والثاني،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَثْبُت له خِيارُ الفسْخِ؛ لأَنَّه كالحاضِرِ. فعلى هذا، يُحْجَرُ على المُشْتَرِي، كما لو كان في البَلَدِ. وهذا كُلُّه مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وقال شَيخُنا (1): ويَقْوَى عِنْدي أنَّه لا يَجِبُ على البائِعِ تَسْلِيمُ المَبِيعِ حتى يُحْضِرَ الثَّمَنَ ويَتَمَكَّنَ مِن تَسْملِيمِه؟ لأنَّ البائِعَ إنَّما رَضِيَ ببَذْلِ المَبِيعِ بالثَّمَنِ، فلا يَلْزَمُه دَفْعُه قبلَ حُصُولِ عِوَضِه، ولأَنَّ المُتَعاقِدَينِ سَواءٌ في المُعَاوَضَةِ، فيَسْتَويانِ في التَّسْلِيمِ. وإنَّما يُوثِّرُ ما [ذَكَره في التَّرْجِيحِ](2) في تَقْدِيمِ التَّسْلِيمِ مع حُضُورِ العِوَضِ الآخَرِ؛ لعَدَمِ الضَّرَرِ فيه، أمّا مع الخَطَرِ (3) المُحْوجِ إلى الحَجْرِ، أو المُجَوِّزِ الفَسْخَ، فلا يَنْبَغِي أنْ يَثْبت. ولأَنَّ شَرْعَ الحَجْرِ لا يَنْدَفِع به الضَّرَرُ؛ لأَنَّه يَقِفُ على الحاكِمِ، ويَتَعَذَّرُ ذلك في الغالِبِ. ولأنَّ ما أَثْبَتَ الحَجْرَ والفَسْخَ بعدَ التَّسْلِيمِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوْلَى أنْ يَمْنَعَ التَّسْلِيمَ؛ لأنَّ المَنْعَ أسْهَلُ مِن الرَّفْعِ، والمَنْعُ قبلَ التَّسْلِيمِ أسْهَلُ مِن المَنْعِ بَعْدَه، ولذلك مَلَكَتِ المَرْأَةُ مَنْعَ نَفْسِها مِن التَّسْلِيمِ قبلَ قَبْضِ صَداقِها، ولم تَمْلِكْه بعدَ التَّسْلِيمِ، على أحَدِ الوَجْهَينِ. وكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: له الفَسْخُ. فإنَّه يَفْسَخُ بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ؛ لأَنَّه فَسْخٌ للبَيعِ لتَعَذُّرِ ثَمَنِه، فمَلَكَّهُ البائِعُ، كالفَسْخِ في عَينِ مالِه إذا أفْلَسَ المُشْتَرِي. وكُلُّ مَوْضِعٍ قلنا: يُحْجَرُ عليه. فذلك إلى الحاكِمِ؛ لأَنَّ ولايةَ الحَجْرِ إليه.
فصل: فإن هَرَبَ المُشْتَرِي قَبْلَ وَزْنِ الثَّمَنِ، وهو مُعْسِرٌ، فللبَائِع الفَسْخُ في الحال؛ لأَنَّه يَمْلِكُ الفَسْخَ مع حُضُورِه، فمَعَ هَرَبِه أوْلَى. وإن كانَ مُوسِرًا، أَثْبَتَ البائِعُ ذلك عند الحاكِمِ، ثم إنْ وَجَدَ الحكمُ له مالًا قضاه، وإلَّا باعَ المَبِيعَ، وقَضَى ثَمَنَه منه، وما فَضَلَ فللمُشْتَرِي، وإنْ أَعْوَزَ، ففي ذِمَّتِه. قال شَيخُنا (1): ويَقْوَى عِنْدِي أنّ للبائِعِ الفَسْخَ بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّا أَبَحْنَا له الفَسْخَ مع حُضُورِه إذا كان الثَّمَنُ بَعِيدًا عن البَلَدِ؛ للضَّرَرِ في التَّأْخِيرِ، فههنا مع العَجْزِ عن الاسْتِيفاءِ بكُلِّ حالٍ أوْلَى. ولا
(1) في: المغني 6/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ برَفْعِ الأَمْرِ إلى الحاكِمِ؛ لأنَّه قد يَعْجِزُ عن إثْبَاتِه عِنْدَه، وقد يكونُ المَبِيعُ في مكانٍ لا حاكِمَ فيه، والغالِبُ أنَّه لا يَحْضُرُه مَنْ يَعْرِفُه الحاكِمُ بالعَدَالةِ، فإحالتُه على هذا تَضْيِيعٌ لمالِه. وهذه الفُرُوعُ تُقَوِّى ما ذَكَرْتُه، من أنَّ للبائِعِ مَنْعَ المُشْتَرِي مِن قَبْضِ المَبِيعِ قبلَ إحْضارِ ثَمَنِهِ؛ لما في ذلك من الضَّرَرِ.
فصل: وليس للبَائِعِ الامْتِنَاعُ مِن تَسْلِيمِ المَبِيعِ بعد قَبْضِ الثَّمَنِ