الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، أن يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِى بِكَذَا. أو: إِنْ رَضِىَ فُلَانٌ. أو يَقُولَ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ في مَحِلِّهِ، وَإلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ. فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، إِلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ؛ وَهُوَ أن يَشْتَرِىَ شَيْئًا، وَيُعْطِىَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا، وَيَقُولَ: إِن أَخَذْتُهُ، وَإلَّا فَالدِّرْهَمُ لَكَ. فَقَالَ أحْمَدُ، رَضِىَ اللَّه عَنْهُ: يَصِحُّ؛ لأَنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَلَهُ. وَعِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ، لَا يَصِحُّ.
ــ
(الثالثُ، أن يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ البَيْعَ، كقَوْلِه: بِعْتُكَ إن جِئْتَنِى بكذا. أو: إن رَضِىَ فلانٌ) فلا يَصِحُّ البَيْعُ؛ لأنَّه عَلَّقَ البَيْعَ على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، فلم يَصِحَّ، كما إذا قال: بِعْتُكَ إذا جاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ.
1598 - مسألة: وكذلك إذا قال
(1): (إن جِئْتُكَ بحَقِّكَ في مَحِلِّه، وإلَّا فالرَّهْنُ لَكَ. فلا يَصِحُّ البَيْعُ، إلَّا بَيْعَ العُرْبُونِ؛ وهو أن يَشْتَرِىَ شَيْئًا، ويُعْطِىَ البائِعَ دِرْهَمًا ويقولَ: إن أخَذْتُه، وإلَّا فالدِّرْهَمُ لَكَ. فقال أحمدُ: يَصِحُّ؛ لأَنَّ عمرَ فَعَلَه. وعند أبى الخَطَّابِ) أنّه (لا يَصِحُّ) ومِمَّن رُوِى عنه القَوْلُ بفَسَادِ الشَّرْطِ؛ ابنُ عمرَ، وشُرَيْحٌ،
(1) بعده في م: «المرتهن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خالَفَهم. والأَصْلُ في ذلك ما رَوَى مُعاوِيَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ بن جَعْفَرٍ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» (1). رَواهُ الأَثْرَمُ. قال الأَثْرَمُ: قلتُ لأحْمدَ: ما مَعْنَى قَوْلِه: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» ؟ قال: لا يَدْفَعُ رَهْنًا إلى رَجُلٍ، ويقولُ: إن جِئْتُكَ بالدَّرَاهِمِ إلى كذا وكذا، وإلَّا فالرَّهْنُ لَكَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا مَعْنَى قولِه: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» ، عند مالكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأحمدَ. وإنَّما فَسَدَ البَيْعُ؛ لأنَّه مُعَلَّقٌ بشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، فلم يَصِحَّ، كالمسألةِ قبلها، وكما لو قال: إن وَلَدَتْ نَاقَتِى فَصِيلًا، فقد بِعْتُكَهُ بدِينارٍ.
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب لا يغلق الرهن، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 816. والإمام مالك، في: باب ما لا يجوز من غلق الرهن، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 728.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والعُرْبُونُ في البَيْعِ، هو أن يَشْتَرِىَ السِّلْعَةَ، ويَدْفَعَ إلى البائِعِ دِرْهَمًا أو أكْثَرَ، على أنَّه إن أخَذَ السِّلْعَةَ احْتَسَبَ به مِن الثَّمَن، وإن لم يَأْخُذْها فهو للبائِعِ. يُقال: عُرْبُونٌ، وأَرَبُونٌ، وعُرْبَانٌ، وأُرْبَانٌ. قال أحمدُ، وابنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ به. وفَعَلَه عمرُ رَضِىَ اللَّهُ عنه. وعن ابنِ عمرَ، أنّه أجَازَه. وقال ابنُ المُسَيَّبِ، وابنُ سِيرِينَ: لا بَأْسَ إذا كَرِهَ السِّلْعَةَ أن يَرُدَّها، وَيَرُدَّ معها شَيْئًا. قال أحمدُ: هذا في مَعْنَاهُ. وقال أبو الخَطّابِ: لا يَصِحُّ. وهو قَوْلُ مالِكٍ، والشّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْى. ويُرْوَى عن ابنِ عَبّاس، والحَسَنِ؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيْعِ العُرْبُونِ. رَواهُ ابنُ ماجَه (1). ولأنَّه شَرَطَ للبائِعِ شَيْئًا بغيرِ عِوَضٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَه لأجْنَبِىٍّ، ولأنَّه بمَنْزِلَةِ الخيارِ المَجْهُولِ، فإنَّه اشْتَرَطَ أنَّ له رَدَّ المَبِيعِ مِن غيرِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو قال: وَلِىَ الخِيارُ مَتَى شِئْتُ رَدَدْتُ السِّلْعَةَ ومعها دِرْهَمًا. قال شَيْخُنا (2): وهذا هو القِياسُ. وإنَّما صارَ أحمدُ فيه إلى ما رُوِى عن نافِعِ بنِ عبدِ (3) الحارِثِ، أنَّه اشْتَرَى لعمرَ دارَ السِّجْنِ مِن صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ، فإن رَضِى عمرُ، وإلَّا فلَهُ كذا وكذا (4). قال الأَثْرَمُ: قلْتُ لأحمدَ: تَذْهَبُ إليه؟ قال: أى شئٍ أقولُ؟ هذا عُمَرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وضَعَّفَ الحَدِيثَ المَرْوِىَّ. رَوَى هذه القِصَّةَ الأَثْرَمُ بإسْنادِه.
(1) في: باب بيع الربان، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 738، 739.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في العربان، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 253. والإمام مالك، في: باب ما حاء في بيع العربان، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 609.
(2)
في: المغنى 6/ 331.
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 75.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا إن دَفَعَ إليه قبلَ البَيْعِ دِرْهَمًا، وقال: لا تَبعْ هذه السِّلْعَةَ لغَيْرِى، وإن لم أشْتَرِها منك فهذا الدِّرْهَمُ لَكَ. ثم اشْتَرَاهَا منه بعدَ ذلك بعَقْدٍ مُبْتَدَأ وحَسَبَ الدِّرْهَمَ مِن الثَّمَنِ، صَحَّ؛ لأَنَّ البَيْعَ خَلَا عن الشَّرْطِ المُفْسِدِ. ويَحْتَمِلُ أن الشِّرَاءَ الذى اشْتُرِىَ لِعمرَ كان على هذا الوَجْهِ، فيُحْمَلُ عليه جَمْعًا بين فِعْلِه وبين الخَبَرِ، ومُوافَقَةِ القِياسِ والأَئِمَّةِ القَائِلِينَ بفَسادِ بَيْعِ العُرْبُونِ. وإن لم يَشْتَرِ السِّلْعَةَ في هذه الصُّورَةِ، لم يَسْتَحِقَّ البائِعُ الدِّرْهَمَ؛ لأنَّهُ يَأْخُذه بغَيْرِ عِوَضٍ، ولصاحِبِه الرِّجُوعُ فيه، ولا يَصِحُّ جَعْلُه عِوَضًا عن انْتِظَارِه وتَأْخِيرِ بَيْعِه مِن أخلِه؛ لأنَّه لو كان عِوَضًا عن ذلك، لَما جازَ جَعْلُه مِن الثَّمَنِ في حالِ الشِّرَاءِ، ولأنَّ الانْتِظارَ بِالبَيْعِ لا تَجُوزُ المُعَاوَضَةُ عنه، ولو جازَتْ لَوَجَبَ أن يكونَ مَعْلُومَ المِقْدارِ، كما في الإِجَارَةِ.